فيكم تبع لا يبغون أهلا ولا مالا، والخائن الذي لا يخفي له طمع وإن دق إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك))، وذكر البخل أو الكذب، والشنظير الفحاش)). رواه مسلم.
ــ
المعنى لا يستقيم عليه؛ لأن من لا عقل له لا تكليف عليه. فكيف يحكم بأنه من أهل النار؟ وأرى الوجه فيه أن يفسر بالتماسك؛ فإن أهل اللغة يقولون: لا زبر له أي لا تماسك له، وهو في الأصل مصدر. والمعنى: لا تماسك له عند مجيء الشهوات. فلا يرتدع عن فاحشة ولا يتورع عن حرام.
أقول: لعله ذهب إلى أن قوله: ((الذين هم فيكم تبع)) قسم آخر من الأقسام الخمسة؛ ولذلك فسره بقوله:((يعني به الخدام الذين يكتنفون بالشبهات والمحرمات)) وعليه كلام القاضي؛ حيث قال: والذين هم فيكم تبع يريد به الخدام الذين لا مطمح لهم، ولا مطمع إلا ما يملأون به بطونهم من أي وجه كان، ولا تتخطى هممهم إلى ما وراء ذلك من أمر ديني أو دنيوي.
أقول: والظاهر أن الضعيف وصف باعتبار لفظه تارة بالمفرد وباعتبار الجنس أخرى بالجمع، أو الموصل الثاني بيان أو بدل مما قبله لعدم العاطف، كما في الأصول المشهورة. وعليه كلام الأشراف حيث قال:((الذي)) في قوله: ((الذي لا زبر له)) بمعنى ((الذين)) للجمع. قال الشاعر:
إن الذي حانت بفلج دماؤهم هم القوم كل القوم يا أم خالد
وهو الذي جوز جعل قوله:((الذين هم فيكم تبع)) بدلا من قوله: ((الذي لا زبر له)) انتهى كلامه.
وعلى هذا لا يتوجه الإشكال الذي أورده الشيخ التوربشتي، ويتعين تقسيم الأقسام الخمسة: أحدها: الضعيف، وثانيها: الخائن، وثالثها: رجل، ورابعها: البخيل مثلا، وخامسها: الشنظير. قوله:((تبع)) في بعض نسخ المصابيح مرفوعاً كما في صحيح مسلم على أنه فاعل الظرف، أو مبتدأ خبره الظرف، والجملة خبرهم. وفي بعضها منصوب كما في الحميدي وجامع الأصول، وهو حال عن الضمير المستتر في الخبر.
((مح)): ((لا يتبعون)) بالعين المهملة يخفف ويشدد من الإتباع. وفي بعض النسخ ((لا يبغون)) بالغين المعجمة: لا يطلبون. قوله:((لا يخفي له طمع)) ((قض)): أي لا يخفي عليه شيء مما يمكن أن يطمع فيه، وإن دق، بحيث لا يكاد يدرك إلا وهو يسعى في التفحص عنه والتطلع عليه حتى يجده فيخونه. وهذا هو الإغراق في الوصف بالخيانة. ويحتمل أن يكون ((خفي)) من الأضداد. والمعنى لا يظهر له شيء يطمع فيه إلا خانه، وإن كان شيئاً يسيراً. والطمع مصدر بمعنى المفعول.