٥٠٤٥ - وعن سعيد بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:((إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير الحق)) رواه أبو داود، والبيهقي في ((شعب الإيمان)). [٥٠٤٥]
ــ
قال الشيخ أبو حامد: التجسس والتتبع ثمرة سوء الظن بالمسلم، والقلب لا يقنع بالظن ويطلب التحقيق، فهو يؤدي إلى هتك الستر. وحد الاستتار أن يغلق باب داره ويستتر بحيطانه. فلا يجوز استراق السمع على داره؛ ليسمع صوت الأوتار، ولا الدخول عليه لرؤية المعصية، إلا أن يظهر ظهوراً يعرفه من هو خارج الدار، كأصوات المزامير والسكارى بالكلمات المألوفة بينهم. وكذلك إذا ستروا أواني الخمر وظروفها وآلات الملاهي في الكم وتحت الذيل، فإذا رأي ذلك لم يجز أن يكشف عنه. وكذلك لا يجوز أن يستنشق ليدرك رائحة الخمر ولا أن يستخبر من جيرانه ليخبروه في داره. وأنشد في معناه:
لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا فيهتك الله سترا عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعب أحداُ منهم بما فيكا
وفي قوله:((ولم يفض الإيمان إلى قلبه)) إشارة إلى أنه ما لم يصل الإيمان إلى القلب لم يحصل له المعرفة بالله ولم يؤد حقوقه، فإذاً علاج جميع أمراض القلب المعرفة بالله تعالى؛ ليؤدي إلى أداء حقوق الله تعالى وحقوق المسلمين، فلا يؤذي ولا يضر ولا يعير ولا يجسس أحوالهم. انتهى كلامه.
فإن قلت: ما النكتة في ذكر ((أخيه)) في قوله: ((عورة أخيه المسلم))؟ فإن الكلام مع المنافقين، وهم ليسوا بإخوة المسلمين. قلت: ومن تتبع ... إلى أخره، كالتتميم للكلام السابق والمبالغة فيه، كأنه قيل: ومن يتبع من المسلمين عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته، ولو في جوف رحله. فكيف بالمنافق؟!
الحديث الثالث عشر عن سعيد رضي الله عنه: قوله: ((من أربى الربا)) هو من باب قوله: {يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم} أدخل العرض في جنس المال على سبيل المبالغة، وجعل الربا نوعين: متعارفين: وهو ما يؤخذ من الزيادة على ماله من المديون. وغير متعارف: هو استطالة الرجل باللسان في عرض صاحبه، ثم فضل أحد النوعين على الآخر. ولما بين العرض والمال من المناسبة قال الحماسي:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال