للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٥١١٠ - وعنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: ((الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري؛ فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار)). وفي رواية ((قذفته في النار)). رواه مسلم.

ــ

الحديث السابع عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((الكبرياء ردائي)). ((نه)): الكبرياء العظمة والملك. وقيل: هي عبارة عن كمال الذات وكمال الوجود، ولا يوصف بها إلا الله تعالى وهو من الكبر- بالكسر- وهو العظمة. ويقال: كبر- بالضم- يكبر أي عظم فهو كبير، انتهى كلامه. قيل: إن الكبرياء والكبر والعظمة ألفاظ مترادفة متحدة المعنى، ولم يتعرض معظمهم للفرق، ولابد من الفرق؛ إذ الأصل عدم الترادف.

قال الإمام فخر الدين الرازي: جعل الله الكبرياء قائماً مقام الرداء، والعظمة قائمة مقام الإزار، ومعلوم أن الرداء أرفع درجة من الأزار، فوجب أن يكون صفة الكبرياء أرفع وسواء عرف هذه الصفة أحد أم لا. وأما العظمة فهي عبارة عن كونه بحيث يستعظمه غيره. وإذا كان كذلك كانت الصفة الأولى ذاتية والثانية إضافية، والذاتي أعلى من الإضافي.

أقول: الأصل في الكبرياء والعظمة ما قاله أئمة اللغة، ثم استعمل في الحديث على حسب أهل العرف والعادة؛ يقال: فلان متكبر إذا أنزل نفسه فوق منزلتها فلا ينقاد لأحد، وفلان له عظمة إذا كثر ما يتعلق به من الخدم والحشم. ويقال: ركب الأمير في عظمته، أي في كثير من حواشيه وأجناده، فإذا التكبر صفة ذاتية والعظمة إضافية. فالله تعالى إذا وصف بالتكبر يكون معناه الترفع عن أن ينقاد لأحد لا المعنى الأول؛ لأنه تعالى إذا وصف بصفة وتكون تلك الصفة مختصة بالأجسام، تكون محمولة على نهايات أغراضها لا على بداياتها. وإذا وصف بالعظمة يكون ذا ملك عظيم، كما قال تعالى: {رب العرش العظيم}.

ثم إنه سبحانه وتعالى شبه صفة الكبرياء بالرداء، والرداء ما يلبس الرجل رأسه وكتفيه، وهذه الأعضاء مختصة بالترفع والتكبر والظهور، فناسب الرداء. وشبه صفة العظمة بالإزار، والإزار ما يلبس الرجل من وسطه إلى قدميه. وهذه الأعضاء مختصة بالنزول والانحطاط والخفاء، فناسب الإزار. ومعنى الاختصاص في قوله: ((الكبرياء ردائي والعظمة إزاري)) من وجهين: أحدهما: أنه من التشبيه كما أن رداء الرجل وإزاره مختصان به لا يشاركه فيهما غيره، كذلك الكبرياء والعظمة مختصان بالله تعالى لا يوصف بهما غيره. وثانيهما: تعريف المسند إليه باللام والمسند بالإضافة يدل على القصر، كما إذا قلت: المنطلق زيد أو زيد المنطلق، يدل على انحصار الانطلاق في زيد.

<<  <  ج: ص:  >  >>