٥١٢٩ - عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسناً، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا)). رواه الترمذي. [٥١٢٩]
ــ
((مح)): ((الجلحاء)) - بالمد- هي الجماء التي لا قرن لها، والقرناء ضده. وهذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة وإعادتها كما يعاد أهل التكليف من الأدميين والأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة، ولعى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة. قال الله تعالى:{وإذا الوحوش حشرت} وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهرة شرع ولا عقل وجب حمله على ظاهره. قالوا: وليس من شرط الحشر والإعادة من القيامة المجازاة والعقاب والثواب. وأما القصاص في القرناء والجلحاء فليس هو من قصاص التكليف؛ إذ لا تكليف عليها بل هو قصاص مقابلة.
الفصل الثاني
الحديث الأول عن حذيفة رضي الله عنه: قوله: ((لا تكونوا إمعة)). ((نه)): هو بكسر الهمزة وتشديد الميم، والهاء للمبالغة، وهمزته أصلية، ولا يستعمل ذلك في النساء، فلا يقال: امرأة إمعة. ((فا)): هو الذي يتابع كل ناعق، ويقول لكل أحد: أنا معك؛ لأنه لا رأي له يرجع إليه، ووزنه فعلة كـ ((ديمة))، ولا يجوز الحكم عليه بزيادة الهمزة؛ لأنه ليست في الصفات إليه، ووزنه فعلة كـ ((ديمة))، ولا يجوز الحكم عليه بزيادة الهمزة؛ لأنه ليست في الصفات ((أفعلة))، وهي في الأسماء أيضاً قليلة. ومعناه المقلد الذي يجعل دينه تابعاً لدين غيره بلا رؤية وتحصيل برهان. انتهى كلامه.
قوله:((تقولون: إن أحسن الناس ....)) الخ بيان وتفسير لـ ((إمعة)) على نحو قول الشاعر:
الألمعي الذي يظن بك الظن كأن قد رأي وقد سمعا
لأن معنى قوله:((إن أحسن الناس)) ((وإن ظلموا)) إنا نقلد الناس في إحسانهم وظلمهم ونقتفي أثرهم.
قوله:((ولكن وطنوا أنفسكم)). قال في أساس البلاغة: أوطن الأرض ووطنها واستوطنها. ومن المجاز: وطنت نفسي على كذا فتوطنت قال الشاعر:
ولا خير في من لا يوطن نفسه على نائبات الدهر حين تنوب