٥٢٧٤ - وعن ابن عمر، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسدي فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل، وعد نفسك في أهل القبور)) رواه البخاري.
ــ
وأن لا يشبع منه إلا من عصمه الله تعالى، ووفقه لإزالة هذه الجبلة عن نفسه، وقليل ما هم، فرضع ((ويتوب الله على من تاب)) موضعه؛ إشعارا بأن هذه الجبلة المركوزة فيه مذمومة جارية مجرى الذنب، وأن إزالتها ممكنة، ولكن بتوفيق الله وتسديده، ونحوه قوله تعالى:{ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ} أضاف الشح إلى النفس؛ دلالة على أنها غريزة فيها، وبين إزالتها بقوله:((يوق)) ورتب عليه قوله: ((فأولئك هم المفلحون)).
وهنا نكتة دقيقة: فإن في ذكر بني آدم تلويحا إلى أنه مخلوق من التراب، ومن طبيعته القبض واليبس فيمكن إزالته بأن يمطر الله سبحانه وتعالى عليه السحائب من غمائم توفيقه. فيثمر حينئذ الخلال الزكية والخصال المرضية:{والْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإذْنِ رَبِّهِ والَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إلَاّ نَكِدًا} فمن لم يتداركه التوفيق وتركه حرصه، لم يزدد إلا حرصا وتهالكا على جمع المال.
وموقع قوله:((ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب)) موقع التذييل والتقرير للكلام السابق؛ ولذلك أعاد ذكر ابن آدم ونيط به حكم أشمل وأعم، كأنه قيل: ولا يسبع من خلق من التراب إلا بالتراب. وموقع ((ويتوب الله على من تاب)) موقع الرجوع، يعني أن ذلك لعسير صعب، ولكن يسير على من يسره الله تعالى، فحقيق أن لا يكون هذا من كلام البشر بل هو من كلام خالق القوى والقدر.
روينا عن الترمذي عن أبي كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ عليه: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا} وقرأ فيها (إن الدين عند الله الحنيفية المسلمة لا اليهودية ولا النصرانية ولا المجوسية ومن يعمل فيه خيرا فلن يكفره). وقرأ عليه:((لو أن لابن آدم واديا من مال لابتغى إليه ثانيا. ولو أن له ثانيا لابتغى إليه ثالثا. ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)).
الحديث السابع عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((أو عابر سبيل)) ((تو)) فيه للتنويع وفي الحديث معنى الترقي، وقد مضى تحقيقه في باب تمني الموت.