للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كجمر دحرجته على رجلك، فنفط، فتراه منتبراً، وليس فيه شيء، ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة، فيقال إن في بني فلان رجلا أميناً ويقال للرجل ما أعلقه! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان)). متفق عليه.

٥٣٨٢ - وعنه، قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أساله عن الشر مخافة أن يدركني، قال: قلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: ((نعم)). قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: ((نعم، وفيه دخن)). قلت: وما دخنه؟ قال: ((قوم

ــ

((وما في قلبه مثال حبة من خردل من إيمان)) فهلا حملوها على حقيقتها لقوله: ((ويصبح الناس يتبايعون ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة)) فيكون وضع الإيمان آخرا موضعها تفخيما لشأنها وحثا على أدائها. قال صلى الله عليه وسلم: ((لا دين لمن لا أمانة له)) و ((ثم)) في قوله: ((ثم ينام النومة)) للتراخي في الرتبة. وهي تقتضيه ((ثم)) في قوله ((ثم علموا من القرآن ثم علموا من السنة)) كما أن علم القرآن والسنة يزيد أصل الأمانة في القلوب ويربيها. كذلك ينقص استمرار ورفع الأمانة وقبضها من أثرها؛ فإن اثر المجل المشبه بالنفاطة التي ليس فيها شيء أبلغ في الخلو من أثر الوكت. وفيه تشبيهان مفردان شبهت حالهما مجموعة بحالة جمر أثر في عضو. ثم نفط وارتفع. وإنما شبه أولا أثر الأمانة أولا بأثر الوكت ثم ثانيا بأثر المجل. ثم شبههما بالجمرة المدحرجة على الرجل تقبيحا لحالهما وتهجينا لتستنفر عنها النفس وتعافهما؛ فإن الأمانة والخيانة ضدان. فإذا ارتفع أحدهما تعاقبت الأخرى.

الحديث الرابع عن حذيفة رضي الله عنه قوله: ((عن الشر)) أي الفتنة ووهن عرى الإسلام واستيلاء الضلال وفشو البدعة، والخير عكسه يدل عليه قوله: ((إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير)) أي ببعثك وتشييد مباني الإسلام، وهدم قواعد الكفر والضلال.

قوله: ((قال: نعم، وفيه دخن)) أي يكون بعد ذلك الشر خير. والحال أن في ذلك الخير شراً والمعنى أن ذلك لا يصفو بل يشوبه كدورة. [ومنه قولهم: هدنة على دخن أي سكون لعلة لا للصلح. ((نه)): أصل الدخن أن يكون في لون الدابة كدورة] إلى السواد. وقيل: الدخن – بالتحريك – مصدر دخنت النار تدخن، إذا ألقى عليها حطب رطب يكثر دخانها وفسدت.

((مظ)): ((تعرف منهم وتنكر)) أي ترى فيهم ما تعرفه أنه من ديني، وترى منهم أيضا ما تنكر

<<  <  ج: ص:  >  >>