يستنون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر)). قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال:((نعم؛ دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها)). قلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال ((هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)). قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال ((تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)). قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال:((فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة
ــ
أنه من ديني. ((شف)): تعرف منهم المنكر بأن يصدر المنكر عنهم، وتنكرهم خبر بمعنى الأمر، أي أنكر عليهم صدور المنكر عنهم.
أقول: الوجه الأول راجع إلى معنى قوله: ((نعم، وفيه دخن)) أي تعرف فيهم الخير فتقبل والشر فتنكر فهو من المقابلة المعنوية والوجه الثاني راجع إلى قوله: ((يستنون بسنتي)) فالوجه أن يكون المعطوف والمعطوف عليه كلاهما في معنى الأمر. أي اعرف منهم ذلك وأنكر. والخطاب في ((تعرف)) و ((تنكر)) من الخطاب العام.
((مح)): قيل المراد بـ ((الخير)) بعد ((الشر)) أيام عمر بن عبد العزيز. والمراد بالشر بعد الخير الأمر بعده. ((شف)): ((دعاة على أبواب جهنم)) أي جماعة يدعون الناس إلى الضلالة، ويصدونهم عن الهدى بأنواع من التلبيس لإدخالهم إياه في جهنم دخولهم فيها، وجعل كل نوع من أنواع التلبيس بمنزلة باب من أبواب جهنم. ((نه)): ((من جلدتنا)) أي من أنفسنا وعشيرتنا. ((شف)): قيل: معناه من أهل ملتنا. ويتكلمون بما قال الله تعالى، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي بالمواعظ والحكم. وما في قلوبهم شيء من الخير يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. ((تو)): ((ولو أن تعض بأصل شجرة)) أي تتمسك بما يصبرك وتقوي به عزيمتك على اعتزالهم، ولو بما لا يكاد يصح أن يكون متمسكا.
أقول: هذا شرط يعقب به الكلام تتميما ومبالغة، أي اعتزال الناس اعتزالا لا غاية بعده، ولو قنعت فيه بعض أصل الشجرة افعل فإنه خير لك. و ((الجثمان)): الجسمان يقال: ما أحسن جثمان الرجل! وجسمانه أتى جسده. وقال الأصمعي: الجثمان الشخص والجثمان الجسم. وقوله:((فاسمع وأطع)) جزاء الشرط، أتى لمزيد تقريره واهتمام بشأنه، وإلا فما قبل الشرط مما أغنى عنه. ((مح)): هذه الرواية في كتاب مسلم عن أبي سلام عن حذيفة. قال الدارقطني: هذا مرسل، لأن أبا سلام لم يسمع حذيفة. قال الشيخ محيي الدين: هو كما قال، لكن