قال:((تكون فتنة، النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، فمن وجد ملجأ أو معاذاً فليستعذ به)).
٥٣٨٥ - وعن أبي بكرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتن، ألا ثم تكون فتنة، القاعد خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي إليها، ألا فإذا وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كان له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه)). فقال رجل: يا رسول الله! أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال:((يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر، ثم لينج إن استطاع النجاء، اللهم هل بلغت؟)) ثلاثا، فقال رجل يا رسول الله! أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، فضربني رجل بسيفه أو يجيء سهم فيقتلني؟ قال ((يبوء بإثمه وإثمك، ويكون من أصحاب النار)). رواه مسلم.
ــ
أقول: لعل الوجه الثالث أولى لما يظهر منه معنى اللام في ((لها)) وعليه كلام الفائق. وهو قوله: أي من غالبها غلبته.
الحديث السابع عن أبي بكرة رضي الله عنه: قوله: ((ألا ثم تكون فتنة)) فيه ثلاث مبالغات. أقحم حرف التنبيه بين المعطوف والمعطوف عليه لمزيد التنبيه لها. وعطف بـ ((ثم)) لتراخى مرتبة هذه الفتنة الخاصة تنبيها على عظمها. وهو لها على أنه من عطف الخاص على العام لاختصاصها بما يفارقها من سائرها، وأنها كالداهية الدهياء. نسأل الله العافية منها بفضله وعميم طوله.
قوله:((من الساعي، إليها)) أي يجعلها غاية سعيه ومنتهى غرضه لا يرى مطلبا غيرها. ولام الغرض وإلى الغاية متقاربان معنى فحينئذ يستقيم التدرج والترقي من الماشي فيها إلى الساعي إليها. وقوله:((فمن كان له إبل .. إلى آخره)) كناية عن الاعتزال عنها والاشتغال بخويصة نفسه. قال الشاعر:
إن السلامة من ليلى وجارتها أن لا تمر على حال بواديها
وقوله:((يعمد إلى سيفه فيدق)) عبارة عن تجرده تجرداً تاماً. كأنه قيل: من لم يكن له ما يشتغل به من مهامه فلينج برأسه. و ((ثلاثا)) مصدر فعل محذوف. أي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات: اللهم! هل بلغت إلى عبادك ما أمرتني به أن أبلغه إليهم؟ قوله:((يبوء بإثمه وإثمك)) فيه وجهان: أحدهما: أراد بمثل إثمك على الاتساع، أي يرجع بإثمه ومثل إثمك المقدر لو قتلته. وثانيهما: أراد بإثم قتلك على حذف المضاف، وإثمه السابق على القتل.