قلت: ثم ماذا؟ قال ((ثم يخرج الدجال بعد ذلك، معه نهر ونار، فمن وقع في ناره؛ وجب أجره، وحط وزره. ومن وقع في نهره، وجب وزره، وحط أجره)). قال: قلت: ثم ماذا؟ قال ((ثم ينتج المهر فلا يركب حتى تقوم الساعة)) وفي رواية: قال: ((هدنة على دخن، وجماعة على أقذاء)). قلت: يا رسول الله! الهدنة على الدخن ما هي؟ قال:((لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه)). قلت: بعد هذا الخير شر؟ قال:((فتنة عمياء صماء، عليها دعاة على أبواب النار، فإن مت يا حذيفة! وأنت عاض على جذل خير لك من أن تتبع أحداً منهم)). رواه أبو داود. [٥٣٩٦]
٥٣٩٧ - وعن أبي ذر، قال: كنت رديفاً خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً على
ــ
تصبر عليه. ويدل على المعنى الأول، قوله في الرواية الأخرى:((فتنة عمياء صماء، عليها دعاة على أبواب النار. فإن مت يا حذيفة! وأنت عاض على جذل، خير لك من أن تتبع أحدا منهم)).
أقول: على الوجه الأول لفظه خبر ومعناه الأمر. وهو قسيم لقوله:((فإن كان لله في الأرض خليفة)). وعلى الثاني هو مسبب من قوله:((فأطعه)).
قوله ((ثم ينتج المهر فلا يركب)). ((تو)): ينتج من النتج لا من النتاج ولا من الإنتاج. يقال: نتجت الفرس أو الناقة على بناء ما لم يسم فاعله نتاجا. ونتجها أهلها نتجا. والإنتاج أقرب ولادها. وقيل: استبانة حملها. وقوله ((فلا يركب)) بكسر الكاف من قولهم اركب المهر إذا حان وقت ركوبه.
قوله ((فتنة عمياء صماء)). ((قض)) والمراد بكونها عمياء صماء أن تكون بحيث لا يرى منها مخرج ولا يوجد دونها مستغاثا، أو أن يقع فيها الناس على غرة من غير بصيرة فيعمون فيها ويصمون عن تأمل الحق واستماع النصح.
أقول: الوجه الأول من الاستعارة المكنية شبه الفتنة في كونها لا مخرج عنها ولا مستغاث منها بامرأة عمياء صماء. ثم نسب إليها ما هي من لوازم المشبه به. والوجه الثاني من الإسناد المجازي؛ لأن الفتنة ليست عمياء صماء بل صاحبها هو الأعمى والأصم. فأسند إليها لكونها سببا فيهما. ووصف الصاحب بالعمى والصمم أيضا ليس على الحقيقة؛ لأن المراد منه صممه عن استماع الحق وعماه عن النظر إلى الدلائل.
الحديث الخامس عن أبي ذر رضي الله عنه قوله:((خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم)) ظرف، وقع صفة