حمار، فلما جاوزنا بيوت المدينة، قال ((كيف بك يا أبا ذر! إذا كان بالمدينة جوع تقوم عن فراشك ولا تبلغ مسجدك حتى يجهدك الجوع؟)) قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال:((تعفف يا أبا ذر!)). قال:((كيف بك يا أيا ذر! إذا كان بالمدينة موت يبلغ البيت العبد حتى إنه يباع القبر بالعبد؟)). قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال ((تصبر يا أبا ذر!)). قال ((كيف بك يا أيا ذر! إذا كان بالمدينة قتل تغمر الدماء أحجار الزيت؟)) قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال ((تأتي من أنت منه)). قال: قلت:
ــ
مؤكدة لـ ((رديفاً)). قوله ((تعفف)) ((نه)): هو الكف عن الحرام والسؤال من الناس. والمراد بـ ((البيت)) هاهنا القبر. وأراد أن مواضع القبور تضيق فيبتاعون موضع كل قبر بعبد. ((تو)): وفيه نظر؛ لأن الموت وإن استمر بالأحياء وفشا فيهم كل الفشو، لم ينته بهم إلى ذلك. وقد وسع الله عليهم الأمكنة. انتهى كلامه. وأجيب بأن المراد بمواضع القبور الجبانة المعهودة وقد جرت العادة بأنهم لا يتجاوزون عنها.
((حس)): قيل: معناه أن الناس يشتغلون عن دفن الموتى لما هم فيه، حتى لا يوجد من يحفر قبر الميت فيدفنه إلا أن يعطي عبداً أو قيمة عبد. وقيل: معناه أن لا يبقى في كل بيت كان فيه كثير من الناس إلا عبد يقوم بمصالح ضعفة أهل ذلك البيت.
((مظ)): يعني يكون البيت رخيصاً فيباع بيت بعبد. أقول: وعلى الوجهين الأخيرين لا يحسن موقع ((حتى)) حسنها على الوجهين الأولين.
((خط)): قد يحتج بهذا الحديث من يذهب إلى وجوب قطع النباش. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سمى القبر بيتا، فدل على أنه حزر كالبيوت. قوله:((أحجار الزيت)) ((تو)) هي من الحرة التي كانت بها الوقعة زمن يزيد. والأمير على تلك الجيوش العاتية مسلم بن عقبة المري المستبيح لحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان نزوله بعسكره في الحرة الغربية من المدينة، فاستباح حرمتها وقتل رجالها، وعاث فيها ثلاثة أيام. وقيل: خمسة. فلا جرم أنه انماع كما ينماع الملح في الماء، ولم يلبث أن أدركه الموت وهو بين الحرمين وخسر هنالك المبطلون.
قوله:((تأتي من أنت منه)) خبر في معنى الأمر. ((قض)) أي ارجع إلى من أنت جئت منه، وخرجت من عنده. يعني أهلك وعشيرتك.
أقول: ولا يطابق على هذا سؤاله بقوله ((وألبس السلاح؟)) والظاهر أن يقال: أن ترجع إلى إمامك ومن بايعته، فحينئذ له أن يقول: وألبس السلاح وأقاتل معه؟. فقال: لا. أي: