تستنظف العرب، قتلاها في النار، اللسان فيها أشد من وقع السيف)). رواه الترمذي، وابن ماجه. [٥٤٠١]
ــ
من أهل النار؛ لأنهم ما قصدوا بتلك المقاتلة والخروج إليها إعلاء دين، أو دفع ظالم أو إعانة حق. وإنما كان قصدهم التباغي والتشاجر طمعا في المال والملك.
قوله:((اللسان فيها أشد)) أي القول والتكلم فيها إطلاقا للمحل وإرادة الحال ((مظ)). يحتمل هذا احتمالين: أحدهما: أن من ذكر أهل تلك الحرب بسوء يكون كمن حاربهم، لأنهم مسلمون. وغيبة المسلمين إثم. ولعل المراد بهذه الفتنة: الحرب التي وقعت بين أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وبين معاوية رضي الله عنه. ولا شك أن من ذكر أحدا من هذين الصدرين وأصحابهما يكون مبتداعا؛ لأن أكثرهم كانوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: أن المراد به أن من مد لسانه فيهم بشتم أو غيبة يقصدونه بالضرب والقتل. ويفعلون به ما يفعلون بمن حاربهم.
أقول: ويؤيد قوله: ولعل المراد بهذه الفتنة .. إلخ. ما روينا عن الأحنف بن قيس: قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد؟ يا أحنف! قلت أريد نصر ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال يا أحنف! ارجع؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إذا توجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار)) قال: فقلت يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ فقال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه)). متفق عليه.
وأما قوله:((قتلاها في النار)) فللزجر والتوبيخ والتغليظ عليهم. وأما كف الألسنة عن الطعن فيهم؛ فإن كلا منهم مجتهد. وإن كان علي رضي الله عنه مصيباً، فلا يجوز الطعن فيهما. والأسلم للمؤمنين أن لا يخوضوا في أمرهما. قال عمر بن عبد العزيز تلك دماء طهر الله أيدينا منها. فلا نلوث ألسنتنا بها.
((مح)): كان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ؛ لأنه بالاجتهاد والمجتهد إذا أخطأ فلا إثم عليه. وإن كان علي رضي الله عنه هو المحق المصيب في تلك الحروب. هذا مذهب أهل السنة. وكانت القضايا مشتبهة حتى كان جماعة من الصحابة تحيروا فيها، فاعتزلوا الطائفتين ولم يقاتلوا. ولم تيقنوا الصواب لم يتأخروا عن مساعدته.