٥٤٧١ - وعن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، مكتوب بين عينيه: ك ف ر)) متفق عليه.
٥٤٧٢ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أحدثكم حديثا عن الدجال ما حدث به نبي قومه؟: إنه أعور؛ وإنه يجيء معه بمثل الجنة والنار، فالتي يقول: إنها الجنة، هي النار، وإن أنذركم كما أنذر به نوح قومه)) متفق عليه.
ــ
والسبيل في التوفيق بينها أن نقول: إنما اختلف الوصفان بحسب اختلاف العينين؛ ويؤيد ذلك ما في حديث ابن عمر هذا:((إنه أعور عين اليمنى)) وفي حديث حذيفة: ((إنه ممسوح العين عليها ظفرة غليظة)) وفي حديثه أيضا. ((إنه أعور عين اليسرى)). ووجه الجمع بين هذه الأوصاف المتنافرة أن يقدر فيها أن إحدى عينيه ذاهبة والأخرى معيبة، فيصح أن يقال: لكل واحدة عوراء: إذ الأصل في العور العيب. وذكر نحوه الشيخ محيي الدين.
الحديث التاسع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((مكتوب بين عينيه ك ف ر)) لعل المراد بالتنصيص أن لا يتوهم فيها السيماء من حيث المعنى. ((مح)): هو بيان علامة تدل على كذب الدجال دلالة قطعية بديهية يدركها كل أحد، ولم يقتصر على كونه جسما أو غير ذلك من الدلائل القطعية؛ ليكون بعض العقول قد لا يهتدي إليها.
الحديث العاشر عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((عن الدجال)) ((مح)): هذه الأحاديث حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده، وأنه شخص بعينه ابتلى الله تعالى به عباده، وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله، وظهور زهرة الدنيا والخصب معه، وابتاع كنوز الأرض له، وأمر السماء أن تمطر فتمطر، والأرض أن تنبت فتنبت، فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته، ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك، فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره، ويقتله عيسى عليه السلام، ويثبت الله الذين آمنوا.
وفتنته عظيمة جدا، تدهش العقول وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأرض، فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء دلائل الحدوث والنقص، فيصدقه من يصدقه في هذه الحالة؛ ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله عليهم من فتنته، ونبهوا على نقصه ودلائل إبطاله. أما أهل التوفيق فلا يغترون ولا ينخدعون بما فيه: لما ذكرنا من الدلائل المكذبة له مع ما سبق لهم من العلم بحاله.
قوله:((كما أنذر به نوح قومه)) فإن قيل: لم خص نوحا عليه السلام بالذكر؟. قلت: لأن نوحا عليه السلام مقدم المشاهير من الأنبياء، كما خصه بالتقديم في قوله تعالى:{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وصَّى بِهِ نُوحًا}.