للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أصبع, ثم يهزهن فيقول: أنا الملك, أنا الله. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا مما قال الحبر تصديقا له. ثم قرأ: {ومَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ والأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ والسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}. متفق عليه.

ــ

تقول العرب في سهولة المطلب وقرب [المتناول ووفور] * القدرة وسعة الاستطاعة: هو منى على حبل الذراع, وإني أعالج ذلك ببعض كفي, واستقله بفرد إصبع, ونحو ذلك من الألفاظ, استهانة بالشيء واستظهارا في القدرة عليه, والمتورع عن الخوض في تأويل أمثال هذا الحديث في فسحة من دينه, إذا لم ينزلها في ساحة الصدر منزلة مسميات الجنس.

قوله: ((فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا)) الكشاف: إنما ضحك أفصح العرب وتعجب؛؟ لنه لم يفهم منه إلا ما يفهمه علماء البيان من غير تصور إمساك, ولا إصبع ولا هز ولا شيء من ذلك, ولكن فهمه وقع أول شيء وآخره على الزبدة والخلاصة التي هي الدلالة على القدرة الباهرة, وأن الأفعال العظام التي تتحير فيها الأذهان, ولا تكتنهها الأوهام هينة عليه هونا لا يوصل السامع إلى الوقوف عليه إلا إجراء العبارة في مثل هذه الطريقة من التخييل, ولا ترى باببا في علم البيان أدق ولا ألطف من هذا الباب ولا أنفع ولا أعون على تعاطي المتشابهات من كلام الله في الرآن وسائر كتب الله السماوية وكلام الأنبياء, فإن أكثره وغلبته تخييلات قد زلت فيها الأقدام قديما, وما أتى الزالون إلا من قلة عنايتهم بالبحث والتنقير حتى يعلموا أن في عداد العلوم الدقيقة علما لو قدروه حق قدره لما خفي عليهم أن العلوم كلها مفتقرة إليه, وعيال عليه, إذا لا يحل عقدها المؤذية, ولا يفك قيودها المكربة إلا هو, وكم من آية من آيات التنزيل, وحديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قد ضيم وسيم بالتأويلات الغثة والوجوه الرثة, لأن من تأويل ليس من هذا العلم في عير ولا نفير, ولا يعرف قبيلا من دبير, وأنا أتعجب من مثل الشيخ التوربشتي رحمه الله, مع جلالته ووقوفه على هذا الأسلوب الغريب والفن العجيب كيف ينقل كلام الخطابي وإطنابه في الطعن على هذا الحديث المقطوع بصحته ثم نصره بحديث ليس في منزلته, مع أنه محتمل ويتفق مع من يتجاسر على الطعن على أولئك السادة والتقاة الثقات المتقنين مع ما بلغ هذا الحديث الدرجة القصيا في الصحة, وذهب الشيخ بقية السلف خاتم المحدثين ((ابن الصلاح)) إلى أن ما اتفق عليه الشيخان بمنزلة المتواتر – عفا الله عنا وعنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>