٥٥٣٥ - وعن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنكم محشورون حفاة عراة غرلا)). ثم قرأ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وعْدًا عَلَيْنَا إنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} ((وأول من يكسا يوم القيامة إبراهيم, وإن ناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال, فأقول:
ــ
لتكون له الحديقة يعطيها بذات القتب لا يقدر عليها)) فينزل قوله: ((راغبين راهبين)) على قوله: ((طاعمين كاسين)) أي مرفهين لاستعدادهم بما يبلغهم إلى المقصد من الزاد والراحلة.
وقوله: ((اثنان على بعير ..)) إلى آخره على قوله: ((وفوجا يمشون ويسعون ..)) ويلقي الله الآفة على مراكبهم حتى يضطروا إلى أن يعطوا الحديقة بالمركوب.
قوله: ((وتحشر بقيتهم النار)) على قوله: ((فوجا تسحبهم الملائكة على وجوههم وتحشرهم النار)) أي تحشر الملائكة لهم النار وتلازمهم حتى لا تفارقهم أين باتوا؛ وأين قالوا.
فإن قلت: ما معنى قوله: ((إن الحديقة يعطيها بذات القتب)).
قلت: ذات القتب – وهي خشبة الرحل – عبارة عن البعير تحقيرا, كما في قوله تعالى: {ذَاتِ أَلْوَاحٍ ودُسُرٍ} كناية عن السفينة, وفي إيثار هذه الصيغة على البعير والحديقة على القيمة إشارة إلى أنهم أنفس الأموال بذلك الحقير, وهذه الصيغة تسمى في علم البديع بالإدماج, ثم إذا ضم معه اقتضاء المقام وهو مهاجرة الأوطان, دل غاية الاضطرار, فإن الحديثة أهم شيء للثاوي المقيم, والبعير أهم شيء للظاعن المسافر, فإيثار مثل هذا الظهر على مثل تلك الحديقة في هذا المقام لئلا يقيلوا في الفتنة ولا يبيتوا فيها يدل على غاية الاضطرار ولا فرار مما لا يطاق, وهذا النوع يسمى في البديع بالإيغال, ونحوه في الأسلوب قول الخنساء:
وإن صخرا لتأتم الهداة به كأنه علم في رأسه نار
هذا ما سنح لنا على سبيل الاجتهاد, ثم عثرنا في جامع الإمام محمد بن إسماعيل البخاري على ما هو الحق, وهو قوله في باب الحشر: ((يحشر الناس [يوم القيامة] * على ثلاث طرائق ..)) الحديث فعلم [من ذلك] ** أن ما ذهب إليه الإمام التوربشتي هو الحق الذي لا محيد عنه, [والله أعلم] ...
الحديث الرابع عن ابن عباس رضي الله عنهما:
قوله: ((غرلا)) ((نه)): الغرل جمع الأغرل وهو الأقلف, والغرلة: القلفة.
قوله: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ} فإن قلت: سياق الآية في إثبات الحشر والنشر, لأن المعنى