للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله من بر وفاجر، أتاهم رب العالمين قال: فماذا

ــ

قوله: ((أتاهم رب العالمين)) قال الشيخ الإمام أبو الفتوح العجلي في كتاب الأقاويل المشهورة: قال البيهقي: قد تكلم الشيخ أبو سليمان الخطابي رحمه الله في تفسر هذا الحديث وتأويله بما فيه الكفاية، قال: إن هذا موضع يحتاج الكلام فيه إلى تأويل وتخريج، وليس ذلك من أجل أننا ننكر رؤية الله سبحانه وتعالى بل نثبتها، ولا من أجل أنا ندفع ما جاء في الكتاب والسنة من ذكر المجيء والإتيان غير أنا لا نكيف ذلك ولا نجعله حركة وانتقالاً كمجيء الأشخاص وإتيانهما فإن ذلك من نعوت الحدث تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، ويجب أن يعلم أن الرؤية التي هي ثواب الأولياء وكرامة لهم في الجنة غير هذه الرؤية المذكورة في مقامهم، واحتج بحديث صهيب في الرؤية بعد دخول الجنة، وإنما تعرضهم لهذه الرؤية امتحان من الله تعالى فيقع به التمييز بين من عبد الله تعالى وبين من عبد الطواغيت ليتبع كل من الفريقين معبوده، وليس ينكر أن يكون الامتحان إذ ذاك بعد قائماً، وحكمه على الخلق جارياً حتى يفرغ من الحساب ويقع الجزاء بما يستحقونه من الثواب والعقاب، ثم ينقطع إذا حقت الحقائق واستقرت أمور العباد قرارها، ألا ترى قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون} وجاء في الحديث: إن المؤمنين يسجدون وتبقى ظهور المنافقين طبقاً واحداً.

قال: ويخرج معنى إتيان الله في هذا إياهم أنه يشهدهم رؤيته ليتيقنوه، فتكون معرفتهم له في الآخرة عياناً، كما كان اعترافهم بربوبيته في الدنيا علماً واستدلالاً، ويكون طريق الرؤية بعد أن لم يكن بمنزلة إتيان الآتي من حيث لم يكونوا شاهدوه.

قيل: ويشبه - والله أعلم - أن يكون إنما حجبهم عن تحقق الرؤية في الكرة الأولى حتى قالوا: ((هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا)) من أجل من معهم من المنافقين الذين لا يستحقون الرؤية وهم عن ربهم محجوبون، فلما تميزوا عنهم ارتفع الحجب، فقالوا عندما رأوه: ((أنت ربنا)).

قال الشيخ: والذي يوضح ما ذكره الإمام أبو سليمان أن الدنيا وإن كانت دار ابتلاء فقد يتحقق الجزاء في بعض الأحوال كما قال الله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} فهكذا الآخرة وإن كانت دار جزاء فقد يقع فيها الابتلاء، بدليل أن القبر وهو أول منزل من منازل الآخر يجري فيه الابتلاء.

ثم قال: فليس معنى الخبر هذا فذاك، وإلا فمعناه ما أراد صلى الله عليه وسلم مع تنزيه الله تعالى عن كل مماثلة ومشابهة - والله أعلم -.

تو: إتيان الله في الكتاب مفسر بإتيان أمره وإتيان بأسه، ولفظ التنزيل محتمل لكلا القولين، فأما هذا الحديث فإنه مؤول على إتيان أمره، وهو قوله: ((فماذا تنتظرون)) ومن السلف

<<  <  ج: ص:  >  >>