له شجرةٌ فيقول: أي رب! أدْنني من هذه الشجرة فلأ ستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول الله: يا بن آدم! لعلي إِن أَعطيتُكها سألتني غيرَها؟ فيقول: لا يارب! ويعاهده أن لا يسأله غيرها، وربُّه يعذره؛ لأنَّه يرَى مالا صبر له عليه، فيُدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثمَّ ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي ربِّ أدنني من هذه الشجرة لأشرب من مائها، وأستظل بظلها لا أسألكَ غيرها. فيقول: يا ابن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟! فيقول: لعلي إِن أدنيتُك منها تسألني غيرَها؟ فيُعَاهده أن لا يسأله غيرها، وربه يعذره لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيهِ منها
ــ
والفاء في قوله:((فلأستظل)) سببية، واللام مزيدة للتأكيد أو عكسه.
قوله:((هذه)) منصوبة المحل بالفعل يفسره ما بعده، أي: هذه أسألك ولا أسألك غيرها.
وقوله:((لا أسألك غيرها)) حال أو استئناف.
و ((يعذره)) أي جعله معذورًا، نه: قد تكون ((أعذر)) بمعنى عذر، ومنه حديث المقداد:((لقد أعذر الله إليك)) أي أعذرك وجعلك موضع العذر فأسقط عنك الجهاد.
وقوله:((لا أسألك غيرها)) حال تنازع فيه: أستظل وأشرب.
قوله:((سألتني)) جواب الشرط، وهو دال على خبر لعل.
قوله:((ما يصريني)) نه: وفي رواية: ((ما يصريك مني)) أي ما يقطع مسألتك ويمنعك من سؤالي، يقال: صريت الشيء إذا قطعته، وصريت الماء وصريته إذا جمعته وحبسته.
تو: صرى الله عنه شره إذا رفع، وصريته منعته، وصريت ما بينهم صريًا أي فصلت، يقال: اختصمنا إلى الحاكم فصرى ما بيننا، أي قطع ما بيننا وفصل، وحسن أن يقال: ما يفصل بيني وبينك، أي ما الذي يرضيك حتى تترك مناشدتك والمعنى أنى أجبتك إلى مسألتك كرة بعد أخرى وأخذت ميثاقك أن لا تعود ولا تسأل غيره وأنت لا تفي بذلك، فما الذي يفصل بيني وبينك في هذه القضية، ويكون على وجه المجاز والاتساع والمبتغى منه التوقيف على فضل الله ورحمته وكرمه وبره بعباده حتى أنه يخاطبهم مخاطبة المستعطف الباعث سائله على الاستزادة، وقال الشيخ: وفي المصابيح: ((ما يصريني منك)) وهو غلط، والصواب:((ما يصريك مني)) كذا رواه المتقنون من أهل الرواية، ((مظ)): يمكن أن يحمل على القلب فأصله: ما يصريك مني، وقلب للعلم به، والقلب شائع في كلامهم ذائع في استعمالهم.
أقول: ((الرواية صحيحة والمعنى صحيح على سبيل الكناية.