فيستظلُّ بظلها ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرةٌ عند باب الجنة هي أحسنُ من الأوليَين، فيقول: أي ربِّ أدنني من هذه فلأستظلَّ بظلِّها وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها. فيقول: يا بن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟! قال: بلى يارب! هذه لا أسألك غيرها، وربه يعذره لأنه يرى مالا صبر له عليه، فيُدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة، فيقولُ: أي ربِّ! أدخلنيها فيقول: يا بن آدم! ما يصريني منك؟ أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها. قال: أي ربِّ! أتستهزئ مني وأنت ربّ العالمين؟ فضحك ابنُ مسعودٍ، فقال: ألا تسألوني مم
ــ
مح:((يصريني)) يفتح الياء وإسكان الصاد المهملة كذا في صحيح مسلم، وروى في غير مسلم:((ما يصريك مني)) قال إبراهيم الحربي: هو الصواب وأنكر الرواية الأولى التي في صحيح مسلم وغيره، وليس كما قال، بل كلاهما صحيح، وإن السائل متى انقطع عن المسئول انقطع المسئول عنه، والمعنى: أي شيء يرضيك ويقطع السؤال بيني وبينك - انتهى كلامه - وكأن هذا من توارد الخواطر كوقع الحافر على الحافر.
وقوله:((أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟)): وارد من القائل على سبيل الفرح والاستبشار.
مح: قال القاضي عياض: هذا الكلام صادر عنه وهو غير ضابط لما قال من السرور ببلوغ ما لم يخطر بباله، فلم يضبط لسانه دهشة وفرحًا، وجرى على عادته في الدنيا في مخاطبة المخلوق، ونحوه حديث التوبة قول الرجل عند وجدان زاده مع راحلته من شدة الفرح:((أنت عبدي وأنا ربك)).
تو: الضحك من الله تعالى ومن رسوله وإن كانا متفقين في اللفظ فإنهما متباينان في المعنى، وذلك أن الضحك من الله سبحانه يحمل على كمال الرضا عن العبد، وإرادة الخير ممن يشاء أن يرحمه من عباده.
قض: وإنما ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم استعجابًا وسرورًا بما رأي من كمال رحمة الله ولطفه على عبده المذنب وكمال الرضا عنه، وأما ضحك ابن مسعود فكان اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله:((هكذا ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم)).
قوله:((ولكني على ما أشاء قادر)) فإن قلت: لم استدركه؟.
قلت:((عن مقدر فإنه تعالى لما قال له: ((أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟)) فاستبعده العبد لما رأي أنه ليس أهلا لذلك وقال: أتستهزئ بي؟ قال سبحانه وتعالى: نعم كنت لست أهلا له لكني أجعلك أهلا لها وأعطيك ما استبعدته لأني على ما أشاء قادر قدير.