للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

به وهو كسعةِ ما بين السماء والأرض، ويُجاءُ بكم حُفاةٌ عُرَاةً غُرلا، فيكون أول من يُكسى إبراهيم يقول الله تعالى: اكسوا خليلي، فيؤتى بريطتيْنِ بيضاوين من رياط الجنَّة، ثم أُكْسَى على أثره، ثم أقومُ عن يمين الله مقامًا يغبطنى الأولون والآخرون)). رواه الدارمي. [٥٥٩٦]

ــ

الكرسي للضيق بسبب تشبيهه بالرحل في الأطيط فقال: ((وهو كسعة ما بين السماء والأرض)). دفعًا لهذا التوهم، وهو من قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض}.

فإن قلت: لفظ الحديث غير مطابق للفظ الآية فكيف شبهه به؟.

قلت: هذا تمثيل لسعة الكرسي وتصوير لتعظيمه بحسب العرف لا بحسب المقدار فإن الكرسي أوسع منهما عند التحقيق، ونحوه: {جنة عرضها السماوات والأرض} لأن أدنى مرتبة أهل الجنة مثل الدنيا وعشرة أمثالها، ومنه بحسب المدة قوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض}. في وجه.

قوله: ((أول من يكسى إبراهيم)) في بعض النسخ برفع أول ونصب إبراهيم وفي بعضها على العكس، فعلى الثاني فيه تقديم وتأخير كما في قوله تعالى: {إن خير من استأجرت القوى الأمين} وقد سبق بيانه، وفي الحديث دلالة ظاهرة على فضل نبينا صلى الله عليه وسلم على ما سوى الله تعالى من الموجودات، وحيازته قصب السبق من بين السابق واللاحق من الملائكة والثقلين، وكفي بالشاهد شهيدًا على أن الملك الأعظم إذا ضرب سرادق الجلال لقضاء شئون العباد وجمع أساطين دولته وأشراف مملكته وجلس على سرير ملكه، فلا يخفي أن من يكون على يمينه هو أولى بالقرب وأحق أن يغتبط منه.

وأما كسوة إبراهيم قبلة صلى الله عليه وسلم فلا يدل على تفضيله عليه بل على فضله، وأنه إنما قدم كسوته على كسوة مثل من يغتبطه الأولون والآخرون إظهارًا لفضله ومكانته، ونحوه قوله تعالى: {إن إبراهيم كان أمة قانتًا لله ...} إلى قوله تعالى: {ثم أوحينا إليك ...} الآية.

الكشاف: في ((ثم)) هذه ما فيها من تعظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلال محله والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله إبراهيم عليه السلام من الكرامة، وأجل ما أوتى من النعمة، اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملته من قبل أنها دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله تعالى عليه بها.

<<  <  ج: ص:  >  >>