للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال: بينا هو ذات يوم وسارة، إذ أتى على جبار من الجبابرة، فقيل له: إنَّ هاهُنا رجلا معه امرأةٌ من أحسن الناس، فأرسل إليه، فسأله عنها: من هذه؟ قال: أختي. فأتى سارة، فقال لها: إنَّ هذا الجبار إن يعلم أنكِ امرأتي يغلبني عليك، فإن سألك فأخبريه أنك أختي، [فإنك أختي] في الإسلام، ليس على وجه الأرض مؤمنٌ غيري

ــ

ويعد من الصغائر كالكذبة الواحدة في حقير من أمور الدنيا ففي إمكان وقوعه منهم وعصمتهم منه القولان المشهوران للسلف والخلف.

قوله: ((في ذات الله)) قال في المغرب: ذو بمعنى الصاحب يقتضي شيئين موصوفًا ومضافًا إليه، وتقول للمؤنث: امرأة ذات مال، ثم اقتطعوها عن مقتضيها وأجروها مجرى الأسماء التامة المستقلة بأنفسها غير المقتضية لما سواها فقالوا: ذات قديمة أو محدثة، ونسبوا إليها من غير تغيير علامة التأنيث، فقالوا: الصفات الذاتية، واستعملوها استعمال النفس والشيء. وعن أبي سعيد: كل شيء ذات وكل ذات شيء.

مح: هذه أيضًا في ذات الله تعالى، لأنها سبب دفع كافر ظالم عن مواقعة فاحشة عظيمة لا يرضي بها الله تعالى، وإنما خص الثنتين بأنهما في ذات الله تعالى لكون الثالثة متضمنة نفعًا له ودفعًا لحرمه - انتهى كلامه -.

أقول: قوله: ((في ذات الله)) أي في الدفع عن ذات الله ما لا يليق بجلاله، يدل عليه ما جاء في حديث آخر: ((ما منها كذبة إلا ما حل عن دين الله)) أي خاصم وجادل وذب عن دين الله تعالى، وهو معنى التعريض لأنه نوع من الكناية ونوع من التعريض يسمى بالاستدراج وهو: إرخاء العنان مع الخصم في المجاراة ليعثر حيث يريد تبكيته، فسلك إبراهيم عليه السلام مع القوم هذا المنهج، فقوله: ((إنى سقيم)) إيهام منه أنه استدل بأمارة علم النجوم على أنه سقيم ليتركوه فيفعل بالأصنام ما أراد أن يفعل، أو سقيم لما أجد من الغيظ والحنق باتخاذكم النجوم آلهة.

وقوله: ((بل فعله كبيرهم)) تنبيه على أن الإله الذي لم يقدر على دفع المضرة عن نفسه، كيف يرجى منه دفع الضرر عن الغير؟.

وقوله عن سارة: ((أختي)) دفع عنها قصد الجبار إياها، قيل: كان من ديدن هذا الجبار أو من دينه أن لا يتعرض إلا لذوات الأزواج، فلذلك قال: ((إن يعلم أنك امرأتي يغلبني عليك)) ويحتمل أن يكون المراد به أنه إن علم ذلك ألزمني بالطلاق، أو قصد قتلي حرصًا عليك.

فإن قلت: فإذا شهد له الصادق المصدوق بالبراءة عن ساحته، فما باله يشهد على نفسه بها في حديث الشفاعة في قوله: ((وإني كنت قد كذبت ثلاث كذبات)) فذكرها نفسي نفسي نفسي؟ على أن تسميتها وأنها معاريض بالكذبات إخبار بالشيء على خلاف ما هو به؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>