للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

٢٦٢ - وعن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أناساً من أمتي سيتفقهون في الدين ويقرأون القرآن، يقولون: نأتي الأمراء فنصيب من دنياهم ونعتزلهم بديننا. ولا يكون ذلك، كما لا يجتني من القتاد إلا الشوك، كذلك لا يجتني من قربهم إلا- قال محمد بن الصباح: كأنه يعني- الخطايا)) رواه ابن ماجه [٢٦٢].

ــ

راحت مشرقة وراحت مغربة فأنى يلتقي مشرق ومغرب

فإن طالب الدنيا يزداد بعداً من الله تعالى لسوء أدبه، وجرأته على الله تعالى، وصاحب العلم يزداد قرباً لخشيته الله ومراعاته أدب الحضرة القدسية. والله أعلم.

الحديث الرابع عشر عن ابن عباس: قوله: ((سيتفقهون)) أي سيدعون الفقه في الدين ويأتون الأمراء. فإن قيل لهم: كيف تجمعون بين التفقه والتقرب إليهم؟ يقولون: نأتي إلى آخره. ((ولا يكون ذلك)) أي لا يصح ولا يستقيم الجمع بين الأمرين؛ لما سبق أن مثل هذا النفي مستلزم لنفي الشيء مرتين تعميماً أو تخصيصاً. ثم ضرب له مثلاً بقوله: ((كما لا يجتني)) شبه التقرب إليهم إصابة جدواهم، ثم طلب الخيبة فالخسران والخسارة في الدارين بطلب الجني من القتاد، فإنه من المحال؛ لأنه لا يثمر إلا الجراحة والألم. وتخصيص المشبه به بالقتاد، وأنه لا يصلح إلا للنار تلميح إلى أن المشبه لا يستأهل إلا لها، وكذا من ركن إليهم تمسهم النار، كما قال الله تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكوا النار}، والاستثناء من باب قوله:

وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس

وأطلق المستثنى ليعم في جنس المضرة، أي لا يجدي إلا مضار الدارين، ويدخل فيه الخطايا أيضاً.

روى أن الزهري لما خالط السلاطين كتب إليه أخ له في الدين: عافانا الله وإياك! أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله ويرحمك. أصبحت شيخاً كبيراً، وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك من كتابه، وعلمك من سنة نبيه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء، قال الله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه}. واعلم أن أيسر ما ارتكبت، وأخف ما احتملت- أنك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغي بدونك ممن لم يؤد حقاً، ولم يترك باطلاً حين أدناك، اتخذوك قطباً تدور عليك رحى باطلهم، وجسراً

<<  <  ج: ص:  >  >>