٥٧٥٦ - وعن عوف بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يجمع الله على هذه الأمة سيفين: سيفاً منها وسيفاً من عدوها، رواه أبو داود. [٥٧٥٦]
٥٧٥٧ - وعن العباس، أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فكأنه سمع شيئاً، فقام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، فقال: ((من أنا؟)) فقالوا: أنت رسول الله. فقال:((أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين،
ــ
الحديث الثالث عن عوف رضي الله عنه: قوله: ((سيفين سيفاً منها وسيفاً من عدوها)) قض: معناه أن سيوفهم وسيوف أعدائهم لا يجتمعان عليهم فيؤديان إلى استئصالهم، بل إذا جعلوا بأسهم بينهم سلط الله عليهم العدو فيشغلهم به عن أنفسهم ويكف عنهم بأسهم - وهو قول الشيخ التوربشتي-.
أقول: والظاهر أن يقال: إنه تعالى وعدني أن لا يجتمع على أمتي محاربتين: محاربة بعضهم بعضاً ومحاربة الكفار معهم، بل يكون أحدهما، فإذا كانت إحداهما لا تكون الأخرى، لأنه موافق للأحاديث السابقة، لأنه صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم ليستأصلهم، وسأله أن لا يذيق بعضهم بأس بعض، فأجاب الأول ومنع الثاني ولم يجمع بين المنعين.
الحديث الرابع عن العباس رضي الله عنه: قوله: ((فكأنه سمع)) مسبب عن محذوف، أي جاء العباس غضبان بسبب ما سمع طعنا من الكفار في رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحو قوله تعالى:{لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} كأنهم حقروا شأنه وأن هذا الأمر العظيم الشأن لا يليق إلا بمن هو عظيم من إحدى القريتين: كالوليد بن المغيرة، وعروة بن مسعود الثقفي مثلاً، فأمرهم صلى الله عليه وسلم على سبيل التبكيت على ما يلزم تعظيمه وتفخيمه، وأنه أولى بهذا الأمر من غيره لأن نسبه أعرق وأرومته أعلى وأشرف، ومن ثم لما قالوا ((أنت رسول الله)) ردهم بقوله: ((أنا محمد بن عبد الله)) ويعضد هذا التأويل ما روى البخاري عن أبي سفيان أنه حين سأله هرقل عظيم الروم عن نسبه صلى الله عليه وسلم فقال: ((هو فينا ذو نسب)) فقال هرقل: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، وكذلك الرسل تبعث في نسب قومها)) ألا ترى أنه جعل النسب ظرفاً لتبعث وأتى بفي، أي عريق في النسب.
قوله:((ثم جعلهم قبائل)) بعد قوله: ((ثم جعلهم فرقتين)) إشارة إلى بيان الطبقات الست التي عليها العرب وهي: الشعب والقبيلة والعمارة والبطن والفخذ والفصيلة.