آخر: موسى كلمه الله تكليماً، وقال آخر: فعيسى كلمه الله وروحه. وقال آخر: آدم اصطفاه الله، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:((قد سمعت كلامكم وعجبكم، إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسى نجى الله وهو كذلك، وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وانا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة، تحته آدم فمن دونه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم
ــ
والفاء في قوله: ((فعيسى)) جواب شرط محذوف، أي إذا ذكرتم الخليل والكليم فاذكروا عيسى كقوله تعالى:{فلم تقتلوهم} أي إذا افتخرتم بقتلهم فإنكم لم تقتلوهم.
وقوله:((كلمة الله)) سمى بها لأنه وجد من غير واسطة أب.
و ((روحه)) إضافة تشريف كبيت الله ونحوه.
وقوله:((فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم)) كرره لينيط به غير ما أناط به أولاً، أو يكون خرج أولاً من مكان وثانياً منه إلى آخر.
وقوله:((قد سمعت كلامكم)) من باب قوله: قلدته سيفاً ورمحاً، أي سمعت كلامكم وأدركت عجبكم.
قوله:((وأنا حبيب الله ولا فخر)) هو قريب من القول الموجب، قرر أولاً ما ذكر من فضائلهم بقوله:((وهو كذلك)) ثم نبه على أنه أفضلهم واكملهم وجامع لما كان متفرقاً فيهم، فالحبيب خليل ومكلم ومشرف.
وقيل: من قاس الحبيب بالخليل فقد أخطأ، لأن الحبيب من جهة القلب، يقال: حببته أي أصبت حبة قلبة، كما يقال: كابدته وراءسته وفاءدته، أي أصبت كبده ورأسه وفؤاده.
والخليل من الخلة وهي الحاجة، أي المحب لحاجته إلى من يخالله، والحبيب محب لا لحاجته.
وعن جعفر بن محمد قال: أظهر اسم الخلة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لأن الخليل ظاهر في المعنى، وأخفي اسم المحبة لمحمد صلى الله عليه وسلم لتمام حاله إذ لا يحب الحبيب إظهار حال حبيبه بل يحب إخفاءه وستره لئلا يطلع عليه سواه، ولا يدخل أحد فيما بينهما، وقال لنبيه وصفيه لما أظهر له حال المحبة:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} وليس الطريق إلى محبة الله إلا باتباع حبيبه، ولا يتوصل إلى الحبيب بشيء أحسن من مصاحبة حبيبه وطلب رضاه.