فقال له ورقة: يا بن أخي! ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأي. فقال ورقة: هذا هو الناموس الذي أنزل الله على موسى، يا ليتنى فيها جذعًا، ياليتنى فيها أكون حيًا إذ يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((أومخرجي هم؟)) قال: نعم؛ لم يأت رجلٌ قط بمثل ماجئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك انصرك نصرًا مؤزرًا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي. متفق عليه.
ــ
قوله ((الليالى ذوات العدد)) أطلق الليالى وأراد بها الليالي مع أيامهن على سبيل التغليب لأنها أنسب للخلوة، ووصف الليالي بذوات العدد لإرادة التقليل كما في قوله تعالى:{دراهم معدودة}.
((تو)) فسرت التحنث بقولها: ((وهو التعبد الليالى ذوات العدد)) ويحتمل أن يكون التفسير من قول الزهرى أدرجه في الحديث وذلك من دأبه.
((مح)): قوله: ((الليالى ذوات العدد)) متعلق بيتحنث لا بالتعبد، ومعناه يتحنث الليالى، ولو جعل متعلقًا بالتعبد فسد المعنى، فإن التحنث لا يشترط فيه الليالى ذوات العدد، والخلوة شأن الصالحين وعباد الله العارفين.
قال الخطابي: حبب إليه الخلوة لأن معها فراغ القلب، وهي معينة على التفكر وبها ينقطع عن مألوفات البشر، ويخشع قلبه، ويجمع همه، فالمخلص في الخلوة يفتح الله عليه ما يؤنسه في خلوته تعويضًا من الله تعالى إياه عما تركه لأجله، واستنار قلبه بنور الغيب حتى تذهب ظلمة النفس، واختيار الخلوة لسلامة الدين وتفقد أحوال النفس وإخلاص العمل لله تعالى.
قوله:((قبل أن ينزع إلى أهله)) نزع إلى أهله ينزع نزاعًا أي اشتاق، وبعير نازع وناقة نازع إذا حنت إلى أوطانها.
((تو)): ((حتى جاء الحق)) أي أمر الحق وهو الوحي، أو رسول الحق وهو جبريل عليه السلام.
((مح)): ((ما أنا بقاريء)) معناه لا أحسن القراءة، فإن قلت: قد تقرر في علم المعاني أن إيلاء الضمير حرف النفي يفيد الاختصاص والحصر وهو يستدعي أن يكون حكم المخاطب مشوبًا بصواب وخطأ، فيرد خطؤه إلى الصواب فأين هذا من جبريل؟.
قلت: إنه صلى الله عليه وسلم لما سمع من جبريل: ((اقرأ)) تصور منه صلى الله عليه وسلم أنه اعتقد أن حكمه صلى الله عليه وسلم ليس كحكم سائر الناس في أن حصول القراءة والتمكن منها إنما هو بطريق التعلم ومدارسة الكتب فلهذا رده بقوله: ((ما أنا بقاريء)) أي حكمي كحكم سائر الناس من أن حصول القراءة إنما هو