٥٨٤٢ - وزاد البخاري: حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رءوس شواهق الجبل، فكلما أوفي بذورة جبل لكي يُلقي نفسه منه،
ــ
بالتعلم، وعدمه بعدمه، فلذلك أخذه وغطه مرارًا ليخرجه من حكم سائر الناس ويستفرغ منه البشرية ويفرغ فيه صفات الملكية فحينئذ يعلم معنى: اقرأ، ويخاطب بقوله:{اقرأ باسم ربك الذي خلق ..} إلى قوله: {.. مالم يعلم} ففي المقروء أيضًا إشارة إلى رد ما تصوره صلى الله عليه وسلم من أن القرآن إنما يتيسر بطريق التعليم فقط بل إنها كما تحصل من التعليم بواسطة العلم فقد تحصل بتعليم الله بلا واسطة، فقوله:{علم بالقلم} إشارة إلى العلم التعليمي، وقوله:{علم الإنسان مالم يعلم} إلى العلم اللدني، ومصداقه قوله تعالى {إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى}.
قوله:((الغط)) العصر الشديد والكبس، ومنه الغط في الماء الغوص فيه، قيل: إنما غطه ليختبره هل يقول من تلقاء نفسه شيئًا؟.
((مح)): قالوا: والحكمة في الغط شغله عن الالتفات والمبالغة في أمره بإحضار قلبه لما يقوله له، وكرره ثلاثًا مبالغة في التنبيه، فقيه أنه ينبغى للمعلم أن يحتاط في تنبيه المتعلم ويأمره بإحضار قلبه.
والجهد: يجوز فيه فتح الجيم وضمها، وهو الغاية والمشقة، ويجوز نصب الدال ورفعها، فعلى النصب بلغ جبريل في الجهد، وعلى الرفع بلغ الجهد مني مبلغه وغايته، وممن ذكر الوجهين - أعني نصب الدال ورفعها - صاحب التحرير.
((تو)): لا أرى الذي يرويه بنصب الدال إلا قد وهم فيه أو جوزه من طريق الاحتمال، فإنه إذا نصب الدال عاد المعنى إلى أنه غطه حتى استفرغ قوته في ضغطه، وجهد جهده بحيث لم يبق فيه مزيد، وهذا قول غير سديد، فإن البنية البشرية لا تستدعي استيفاء القوة الملكية لاسيما في مبدأ الأمر، وقد دلت القضية على أنه اشمأز من ذلك وتداخله الرعب.
أقول: لاشك أن جبريل في حالة الغط لم يكن على صورته الحقيقية التي تجلى بها عند سدرة المنتهى، وعندما رآه مستويًا على الكرسي فيكون استفراغ جهده بحسب الصورة التي تجلى له وغطه، وإذا صحت الرواية اضمحل الاستبعاد.
وقوله:{اقرأ باسم ربك}((مح)): هذا دليل صريح في أن أول ما نزل من القرآن {اقرأ} وهو الصواب الذي عليه الجماهير من السلف والخلف.