تبدَّى له جبريل، فقال: يا محمد! إنك رسول الله حقًا. فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه.
ــ
واستدل بهذا الحديث بعض من يقول:((بسم الله الرحمن الرحيم)) ليست بقرآن في أوائل السور لكونها لم تذكر هنا، وجواب المثبتين لها: أنها لم تنزل أولاً بل نزلت البسملة في وقت آخر كما نزلت باقي السورة في وقت آخر.
أقول: قوله {اقرأ} أمر بإيجاد القراءة مطلقًا وهو لايختص بمقروء دون مقروء، فقوله:{باسم ربك} حال، أي اقرأ مفتتحا باسم ربك. قل: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم اقرأ، وهذا يدل على أن البسملة مأمور بقراءتها في ابتداء كل قراءة، فيكون مأمورًا بقراءتها في ابتداء هذه السورة أيضًا.
وقوله:{ربك الله خلق} وصف مناسب مشعر بعلية الحكم بالقراءة والإطلاق في خلق أولا على منوال يعطى ويمنع، وجعل توطئة لقوله:{خلق الإنسان} إيذانًا بأن الإنسان أشرف المخلوقات، ثم الامتنان عليه بقوله:{علم الإنسان مالم يعلم} يدل على أن العلم أجل النعم وأكثرها فائدة.
وقوله:((فرجع بها)) أي صار بسبب تلك الضغطة يضطرب فؤاده، ورجع يجيء بمعنى قصد أيضًا، كما في قولهم: ما روجع إليه في خطب إلا كفي، أي ما قصد. و ((زملوني)) أي غطوني بالثياب ولفوني بها.
قوله:((لقد خشيت على نفسي)) ((مح)): قال القاضي عياض: ليس هو بمعنى الشك فيما أتاه من الله تعالى، لكنه ربما خشي أنه لا يقوى على مقاومة هذا الأمر، ولا يقدر على حمل أعباء الوحي، فتزهق نفسه، أو يكون هذا لأول [ما رأي] التباشير في النوم واليقظة، وسمع الصوت قبل لقاء الملك، و [تحققه] رسالة ربه سبحانه وتعالى فيكون قد خاف أن يكون من الشيطان الرجيم، فأما منذ قد جاءه الملك برسالة ربه سبحانه وتعالى، فلا يجوز عليه الشك فيه وتسلط الشيطان عليه. قال الشيخ محيى الدين: وهذا الاحتمال ضعيف لأنه تصريح بأن هذا كان بعد غط الملك وإتيانه: بـ {اقرأ باسم ربك}.