أقول: إخراج قوله: ((لقد خشيت)) على القسمية بعد قوله: ((يرجف فؤاده)) يدل على انفعال حصل له من الضغط فخشي على نفسه من ذلك أمرًا توهم منه كما يحصل للبشر إذا دهمه أمر لم يعهد به، ومن ثمة قال صلى الله عليه وسلم:((زملوني))، وأتت خديجة بكلمة الردع وصرحت بقولها:((لا يخزيك الله)) إلى آخره. ((مح)): ((لا يخزيك الله)) هو بضم الياء وبالخاء المعجمة في رواية يونس وعقيل، وفي رواية معمر (يحزنك) بالحاء المهملة والنون، ويجوز فتح الياء في أوله وضمها، وكلاهما صحيح، والخزيُ: الفضيحة والهوان، و ((الكل)) الثقل، ويدخل في حمل الكل الإنفاق على الضعيف واليتيم والعيال وغير ذلك، وهو من الكلال [وهو] الإعياء، ((تكسب)) بفتح التاء هو الصحيح المشهور، وروى بضمها، قال ثعلب والخطابي وغيرهما: يقال: كسبت الرجل مالاً، وأكسبته مالاً، لغتان أفصحهما بحذف الألف، فمعنى الضم تكسب غيرك المال المعدوم، أي تعطيه إياه تبرعًا فحذف الموصوف وأقام الصفة مقامه، وقيل: معناه تعطى الناس ما لا يجدونه عند غيرك من نفائس الفرائد ومكارم الأخلاق.
ومعنى الفتح قيل: كمعنى الضم، وقيل: معناه تكسب المال المعدوم، وتصيب منه ما يعجز غيرك عن تحصيله، وكانت العرب تتمادح يكسب المال [لا سيما قريش، وكان صلى الله عليه وسلم محظوظًا في تجارته، وهذا القول ضعيف وغلط، ويمكن تصحيحه بأن يضم معهما زيادة فمعناه] العظيم الذي يعجز عنه غيرك، ثم تجود به في وجوه الخير وأبواب المكارم، كما ذكرت من حمل الكل وصلة الرحم وقرى الضيف والإعانة على نوائب الحق.
وصاحب التحرير جعل المعدوم عبارة عن الرجل المحتاج المعدوم العاجز عن الكسب، وسماه معدومًا لكونه كالمعدوم الميت حيث لم يتصرف في المعيشة.
و ((النوائب)) جمع نائبة وهي الحادثة، وإنما أضيفت إلى الحق لأن النائبة قد تكون في الخير وقد تكون في الشر، قال لبيد:
نوائب من خير وشر كلاهما فلا الخير ممدود ولا الشر لازب