وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها، قال:{إذ يغشى السدرة ما يغشى}. قال: فراش من ذهب، قال: فأعطني رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس، وأعطي خواتيم سورة البقرة، وغفر لمن لا يشرك بالله من أمته شيئاً المقحمات. رواه مسلم.
ــ
قال الشيخ محيي الدين: ويمكن أن يجمع بينهما، فيكون أصلها في السادسة ومعظمها في السابعة، فقد علم أنها في نهاية من العظم.
وقد قال الخليل: السدرة في السماء السابعة وقد أظلت السموات والجنة.
وقد ذكر القاضي عياض أن مقتضى خروج النهرين الظاهرين النيل والفرات من أصل سدرة المنتهى أن يكون أصلها في الأرض، فإن سلم هذا أمكن حمله على ما ذكرناه.
و ((المقحمات)) بكسر الحاء الذنوب العظام والكبائر التي تهلك أصحابها وتوردهم النار.
والمراد بغفرانها أنه لا يخلد في النار بخلاف المشركين وليس المراد به لا يعذب أصلا، وقد علم من نصوص الشرع وإجماع أهل السنة إثبات عذاب العصاة من الموحدين.
قوله:((فيقبض منها)) لعل القابض غير الصاعد بالأعمال من الملائكة وكذلك النازل.
قوله:((فرا من ذهب)) فإن قلت: كيف التوفيق بين هذا وبين قوله في غير هذا الحديث: ((فغشيها ألوان لا أدري ما هي؟)).
قلت: قوله: ((غشيها ألوان لا أدري ما هي)) في موقع قوله: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} في إرادة الإبهام للتفخيم والتهويل وإن كان معلوماً كما في قوله تعالى: {فغشيهم من اليم ما غشيهم} في حق فرعون، ثم قوله:((فراش من ذهب)) بيان له.
قوله:((خواتيم سورة البقرة)) تو: ليس معنى قوله: ((أعطى)) أنها أنزلت عليه، بل المعنى أنه استجيب له فيما لقن في الآيتين من قوله سبحانه {غفرانك ربنا} إلى قوله {أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} ولمن يقوم بحقها من السائلين.
أقول: في كلامه إشعار بأن الإعطاء بعد الإنزال لأن المراد منه الاستجابة، والاستجابة مسبوقة بالطلب، والسورة مدنية والمعراج في مكة، ويمكن أن يقال: إن هذا من قبيل: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} والنزول بالمدينة من قبيل: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى}.