ويتوضأ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكرهت أن أوقظه، فوافقته حتى استيقظ، فصببت من الماء على اللبن حتى برد أسفله، فقلت: اشرب يا رسول الله: فشرب حتى رضيت، ثم قال: ((ألم يأن للرحيل؟)) قلت: بلى قال: فارتحلنا بعدما مالت الشمس، وابتعنا سراقة ابن مالك، فقلت: أتينا يا رسول الله! فقال: ((لا تحزن إن الله معنا)) فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فارتطمت به فرسه إلى بطنها في جلد من الأرض فقال: إني أراكما دعوتما علي، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فنجا، فجعل
ــ
وقيل: الكثبة من اللبن قدر حلبة، والكثبة كل قليل جمعته من طعام أو لبن أو غير ذلك، والجمع كثب.
و ((يرتوي فيها)) رويت من الماء بالكسر وارتويت وترويت كله بمعنى.
أقول: فعلى هذا ينبغي أن يقال: ((يرتوي منها)) لا ((فيها)).
مح: يرتوي فيها يستقي فيها، يعني جعل القدح آلة للري والسقي، ومنه الرواية وهي الإبل التي يستقي عليها الماء.
وقوله: ((يشرب ويتوضأ)) مستأنفتان لبيان الاعتمال في السقي.
قوله: ((فوافقته حتى استيقظ)) قض: يعني وافقته في النوم، أو تأنيت به حتى استيقظ، وفي بعض نسخ البخاري، ((حين استيقظ)) أي وافق إتياني وقت اسيتقاظه، ويؤيده ما روى: فوافقته وقد استيقظ.
قوله: ((فارتطمت به)) أي ساخت قوائمها كما تسوخ في الوحل.
و ((الجلد من الأرض)) الصلبة.
قوله: ((أن أرد عنكما)) شف: الجار محذوف تقديره: بأن أراد وقوله: ((فالله لكما)) حشو بينهما. ويمكن أن يقال: فالله مبتدأ، ولكما خبره، وقوله: ((أن أرد)) خبر ثان للمبتدأ.
وقال غيره: معناه فادعوا لي كيلا يرتطم فرسي على أن أترك طلبكما ولا أتبعكما بعد، ثم دعا لهما بقوله: ((فالله لكما)) أي الله حافظكما وناصركما حتى تبلغ بالسلامة إلى مقصدكما.
ويجوز أن يكون معناه: ادعوا لي حتى أنصرف عنكما، فإن الله قد تكفل بحفظكما عني وحبسني عن البلوغ إليكما.
أقول: الفاء في ((فالله)) تقتضي ترتيب ما بعدها عليه، و ((لكما)) خبر المبتدأ يقتضي متعلقاً بتعلق به هو وما بعده، فالتقدير: ادعوا لي بأن أتخلص مما أنا فيه فإنكما إن فعلتما فالله أشهد لأجلكما أن أراد عنكما الطلب.