فأخذها ابن الخطاب، فلم أر عبقرياً من الناس ينزع نزع عمر حتى ضرب الناس بعطن)).
٦٠٤١ - وفي رواية ابن عمر، قال:((ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر، فاستحالت في يده غرباً، فلم أر عبقرياً يفري فريه، حتى روي الناس وضربوا بعطن)) متفق عليه.
ــ
ومصير الدلو في نوبة عمر غرباً- وهو الدلو الكبير الذي يستقي به البعير- إشارة إلى ما كان في أيامه من تعظيم الدين وإعلاء كلمته وتوسيع خططه وقوته، وجده في النزع إشارة إلى ما اجتهد في إعلاء أمر الدين وإفشائه في مشارق الأرض ومغاربها اجتهاداً لم يتفق لأحد قبله ولا بعده.
والعبقري: القوي، قيل: العبقر اسم واد يزعم العرب أن الجن تسكنه فنسبوا إليه كل من تعجبوا منه أمراً كقوة أو غيرها، فكأنهم وجدوا ما وجدوا منه خارجاً عن وسع الإنسان فحسبوا أنه جني من العبقر، ثم قالوا لكل شيء نفيس.
وقوله:((حتى ضرب الناس بعطن)) أي حتى رووا إبلهم فأبركوها وضربوا لها عطناً وهو مبروك الإبل.
مح: في قوله: ((وفي نزعه ضعف)) ليس فيه حط لمنزلته ولا إثبات فضيلة لعمر عليه رضي الله عنهما، وإنما هو إخبار عن مدة ولايتهما، وكثرة انتفاع الناس في ولاية عمر لطولها، ولاتساع الإسلام وفتح البلاد وحصول الأموال والغنائم.
وأما قوله:((والله يغفر له صعفه)) فليس فيه نقص له، ولا إشارة إلى ذنب وإنما هي كلمة كان المسلمون يزينون بها كلامهم، وقد جاء في صحيح مسلم أنها كلمة كان المسلمون يقولونها: افعل كذا والله يغفر لك.
أقول: أراد أنه من باب التتميم وهو أن يقيد بكلام فيه نوع إيهام للنقص بما بصونه عنه، مثاله قول أبي الطيب:
وتحتقر الدنيا احتقار مجرب ترى كل ما فيها وحاشاك فانيا
((مح)) وقوله: ((فنزعت منها ما شاء الله ثم أخذها ابن أبي قحافة)) إشارة إلى نيابة أبي بكر رضي الله عنه وخلافته بعده، وراحته صلى الله عليه وسلم بوفاته من نصب الدنيا ومشاقها.
وفي قوله:((ثم أخذها ابن الخطاب من يد أبي بكر .. إلى قوله: وضربوا بعطن)) إشارة إلى أن أبا بكر رضي الله عنه قمع أهل الردة وجمع شمل المسلمين وابتدأ الفتوح، ومهد الأمور، وتمت ثمرات ذلك وتكاملت في زمن عمر رضي الله عنه.