يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويدعنا وسيوفنا تقطر من دمائهم! فحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، فأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم ولم يدع معهم أحداً غيرهم، فلما اجتمعوا جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:((ما حديث بلغني عنكم؟)). فقال فقهاؤهم: أما ذووا رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً وأما أناس منا حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي قريشاً ويدع الأنصار، وسيوفنا تقطر من دمائهم! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إني أعطي رجالاً حديثي عهد بكفر أتألفهم، أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وترجعون إلى رحالكم برسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: بلى يا رسول الله، قد رضينا. متفق عليه.
٦٢١٨ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لولا الهجرة لكنت امرءاً
ــ
قوله: ((يغفر الله لرسول الله)) توطئة وتمهيد لما يرد بعده من العتاب، كقوله تعالى:{عفا الله عنك لم أذنت لهم}.
قوله:((وسيوفنا تقطر من دمائهم)) حال مقررة لجهة الإشكال، وهو من باب قولهم: عرضت الناقة على الحوض، وأنشد:
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
الحديث الثالث والعشرون عن أبي هريرة رضي الله عنه:
قوله:((لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار)) ((حس)): ليسن المراد منه الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام، مع أن نسبه صلى الله عليه وسلم أفضل الأنساب وأكرمها، وإنما أراد به النسب البلادي، ومعناه: لولا الهجرة من الدين ونسبتها دينية، لا يسعني تركها لأنها عبادة كنت مأموراً بها لانتسبت إلى داركم، ولانتقلت عن هذا الاسم إليكم.
قيل: أراد صلى الله عليه وسلم بهذا الكلام إكرام الأنصار، والتعريض بأن لا رتبة بعد الهجرة أعلى من النصرة، وبيان أنهم بلغوا من الكرامة مبلغاً لولا أنه صلى الله عليه وسلم من المهاجرين إلى المدينة لعد نفسه من الأنصار لكرامتهم عند الله تعالى.
تلخيصه لولا فضلي على الأنصار بسبب الهجرة لكنت واحداً منهم، وهذا تواضع منه صلى الله عليه وسلم، وحث للناس على إكرامهم واحترامهم، ولكن لا يبلغون رتبة المهاجرين السابقين الذين أخرجوا من ديارهم، وقطعوا عن أحبابهم وأقاربهم، وحرموا أوطانهم وأموالهم، وهم رضوان