٦٢٣٩ - وعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر، شبه عيسى بن مريم)) يعني في الزهد. [فقال عمر بن الخطاب كالحاسد: يا رسول الله! أفتعرف ذلك له؟ قال:((نعم فاعرفوه له)). رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب [[٦٢٣٩].
ــ
والغبراء: الأرض.
وأقلت: حملت ورفعت، واشتقاق الإقلال من القلة، لأن الرافع المطيق يرى ما يرفعه قليلاً.
و ((من)) في قوله: ((من ذي لهجة)) معمول أقلت، وقد تنازع فيها العاملان فأعمل الثاني- وهو مذهب البصريين- وهذا دليل ظاهر لهم، كقوله تعالى:{يستغفر لكم رسول الله} إذ لو أعمل الأول لنصب: ((رسول الله)) فعلى هذا: ((أصدق)) في الحديث الأول صفة موصوف محذوف، أي: ولا أقلت الغبراء ذا لهجة صدق.
تو: قوله: ((أصدق من أبي ذر)) مبالغة في صدقة، لا أنه أصدق من كل على الإطلاق، لأنه لا يكون أصدق من [أبي بكر] بالإجماع، فيكون عاماً قد خص:
أقول: يمكن أن يراد أنه لا يذهب إلى التورية والمعاريض في الكلام، فلا يرخى عنان كلامه، ولا يواري مع الاس، ولا يسامحهم، ويظهر الحق البحث، والصدق المحض، ومن ثمة عقبه بقوله:((ولا أوفى)) أي يوفى حق الكلام إيفاء لا يغادر شيئاً منه، ووصفه بقوله:((ذي لهجة)).
فا: قيل: لهجة اللسان ما ينطق به من الكلام، وإنها من لهج بالشيء إذا أغرى به، ونظيرها قول بعضهم في اللغة: إنها من لغى بالشيء.
روى الإمام أحمد بن حنبل عن أبي ذر أنه استأذن على عثمان رضي الله عنه، فأذن له وبيده عصاه، فقال عثمان: يا كعب إن عبد الرحمن توفي وترك مالا، فما ترى فيه؟ فقال: إن كان يصل فيه حق الله فلا بأس عليه، فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبا وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما أحب لو أن لي هذا الجبل ذهباً أنفقه ويتقبل مني، أذر خلفي منه ست أواق)) أنشدك بالله يا عثمان أسمعته؟ (ثلاث مرات)) قال: نعم.