٦٢٧٥ - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنها ستكون هجرة بعد هجرة، فخيار الناس إلى مهاجر إبراهيم)). وفي رواية:((فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ويبقى في الأرض شرار أهلها، تلفظهم أرضوهم، تقذرهم نفس الله، تحشرهم النار مع القردة والخنازير، تبيت معهم إذا
ــ
الحديث الرابع عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:
قوله: ((هجرة بعد هجرة)) قال الشارحون: كان من حق الثانية أن يؤتى بها مع لام العهد، لأن المراد منها الهجرة الواجبة قبل الفتح، وإنما أتى بها منكرة لتساوق الأولى في الصيغة مع إضمار في الكلام، أي بعد هجرة حقت ووجبت، والمعنى: ستكون هجرة إلى الشام بعد هجرة كانت إلى المدينة.
أقول ويمكن أن يراد التكرير، كما في قولك: لبيك وسعديك، أي ألبيك إلباباً بعد إلباب.
و ((الفاء)) في قوله: ((فخيار الناس)) يلوح إليه لأنه تفصيل للمجمل، كأنه قيل: سيحدث للناس مفارقة من الأوطان، وكل إنسان يفارق وطنه إلى آخر ويهجره هجرة بعد هجرة، فخيارهم من يهاجر أو يرغب إلى ((مهاجر إبراهيم عليه الصلاة والسلام)) وهو الشام.
وينصر هذا التأويل الحديث الذي يتوله.
((تو)): وذلك حين تكثر الفتن، ويقل القائمون بأمر الله في البلاد، ويستولى الكفرة الطغام على بلاد الإسلام، وتبقى الشام يسوسها العساكر الإسلامية منصورة على من ناوأهم، ظاهرين على الحق حتى يقاتلوا الدجال، فالمهاجر إليها حينئذ فاز بدينه، ملتجئ إليها لصلاح آخرته، يكثر سواد عباد الله الصالحين القائمين بأمر الله تعالى.
ولعل الحديث إشارة إلى العصر الذي نحن فيه.
قوله:((تلفظهم أرضوهم)) ((قض)): أي ينتقل من الأراضي التي يستولى عليها الكفرة خيار أهلها، ويبقى خساس تخلفوا عن المهاجرين جبناً عن القتال، حرصاً وتهالكاً على ما كان لهم فيه امن ضياع ومواش ونحوهما من متاع الدنيا، فهم لخسة نفوسهم وضعف ينهم كالشيء المسترذل المستقذر عنه، فكأن الأرض تستنكف عنهم فتقذفهم، والله سبحانه يكرههم، فيبعدهم من مظان رحمته ومحل كرامته، إبعاد من يستقذر الشيء ويبعد عنه طبعه، فلذلك منعهم من الخروج وثبطهم قعوداً مع أعداء الدين، نحوه قوله تعالى:{ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم}.
وقوله:((تقذرهم نفس الله)) من التمثيلات المركبة التي لا يتطلب لمفرداته ممثلا وممثلا به، مثل: شابت لمة الليل، وقامت الحرب على ساق.