الله عز وجل توكل لي بالشام وأهله)) رواه أحمد، وأبو داود [٦٢٧٦].
ــ
ومعنى قوله:((واسقوا من غدركم)) أي ليسق كل واحد منكم من غديره الذي يختص به، والأجناد المجندة بالشام- لاسيما أهل الثغور والنازلين في المروج- من شأنهم أن تتخذ كل فرقة لنفسها غديراً تستنقع فيه الماء للشرب والتطهر وسقي الدواب، فوصاهم بالسقي مما يختص بهم وترك المزاحمة فيما سواه والتغلب لئلا يكون سبباً للاختلاف وتهيج الفتنة.
أقول: كأن قوله: ((فأما إن أبيتم)) وارد على التأنيب والتعيير، يعني: أن الشام مختار الله من الأرض، فلا يختارها إلا خيرة الله من عباده، فإن أبيتم أيها العرب ما اختاره الله تعالى، واخترتم بلادكم ومسقط رأسكم من البوادي فالزموا يمنكم، واسقوا من غدرها لأنه أوفق لكم من البوادي، ألا ترى كيف جمع الضميرين في القرينتين بعد أن أفرده في قوله:((عليكم بالشام)) فعلم من هذا أن الشام أولى بالاختيار واليمن عند الاضطرار.
والغدر: جمع غدير وهي حفرة يستنقع فيها الماء، والعرب أكثر الناس اتخاذاً لها، ولذلك أضيف إليهم.
وهاتان الإضافتان بعد نسبته أرض الشام إلى الله تعالى يرشدانك إلى أن الكلام ليس فيه اعتراض، وكذا ((أما)) التفصيلية، ثم إن قوله:((فإن الله توكل لي بالشام)) مرتب على الكلامين، كأنه قيل: الشام هو الاختيار، واليمن عند الاضطرار، فإن الله تعالى توكل لي بالشام.
((تو)): في سائر نسخ المصابيح: ((فإن الله قد توكل لي بالشام)) والصواب: ((قد تكفل لي)) وهو سهو إما في أصل الكتاب أو من بعض رواة الحديث، فنقل [على ما وجد].
((قض)): أراد بالتوكل التكفل، فإن من توكل بشيء فقد تكفل بالقيام به، والمعنى: أنه تعالى ضمن لي حفظها وحفظ أهلها من بأس الكفرة واستيلائهم، بحيث يتخطفهم ويدمرهم بالكلية.
أقول: في مسند أحمد وجامع الأصول عن أبي الدرداء كما في المصابيح.
وقوله:((لي)) ليس بصلة توكل، وصلته: إما ((على)) أو ((الباء))، ولا يجوز الأول فتعين الثاني، أي: توكل بالشام لأجلي.