يلونهم، وفي الرابع اشتباه من قبل الراوي، وإنما المراد منه نفعهم في بث الشريعة والذب عن الحققة.
((قض)): نفى تعلق العلم بتفاوت طبقات الأمة في الخيرية، وأراد نفي التفاوت، كما قال الله تعالى:{قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض} أي بما ليس فيهن، كأنه قيل: لو كان يعلم لأنه أمر لا يخفى، ولكن لا يعلم لاختصاص كل طبقة منهم بخاصية وفضيلة توجب خيرتها، كما أن كل نوبة من نوب المطر لها فائدة في النشوء والنماء، لا يمكنك إنكارها والحكم بعدم نفعها، فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات، وتلقوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالإجابة والإيمان، والآخرين آمنوا بالغيب لما تواتر عندهم من الآيات، واتبعوا من قبلهم بالإحسان.
وكما أن الأولين اجتهدوا في التأسيس والتمهيد، فالمتأخرون بذلوا وسعهم في التفحيص والتجريد، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد، فكل مغفور وسعيهم مشكور، وأجرهم موفور.
أقول: تمثيل الأمة بالمطر إنما يكون بالهدى والعلم، كما أن تمثيله صلى الله عليه وسلم بالغيث والهدى والعلم، فتختص هذه الأمة المشبهة بالمطر بالعلماء الكاملين منهم والمكملين لغيرهم، فيستدعي بهذا التفسير أن يراد بالخير النفع، فلا يلزم من هذا المساواة في الأفضلية، ولو ذهب إلى الخيرية، فالمراد وصف الأمة كلها سابقها ولاحقها، أولها وآخرها بالخيرية وأنها ملتحمة مع بعض، مرصوصة كالبنيان، مفرغة كالحلقة التي لا يدري أين طرفها، على منوال قوله تعالى:{آلمر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق}.
الكشاف: أي تلك الآيات آيات السورة الكاملة العجيبة في بابها، ثم قال:{والذي أنزل إليك} من القرآن كله {هو الحق} الذي لا مزيد عليه لا هذه السورة وحدها.
وفي أسلوب هذا الكلام قول الأنمارية: هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها. تريد المكملة.
ويلمح إلى هذا المعنى قول الشاعر:
إن الخيار من القبائل واحد وبنو حنيفة كلهم أخيار.
فالحاصل أن الأمة بأسرها مرتبطاً بعضها مع بعض في الخيرية، بحيث أبهم أمرها، وارتفع التمييز بينها، وإن كان بعضها أفضل من بعض وفي نفس الأمر، وهو قريب من باب سوق المعلوم مساق غيره، وفي معناه أنشد مروان بن أبي حفصة: