وأرجلكم} فإنه تعالي عطف الرجل علي الرأس، والرأس ممسوح، فكذا الرجل. قلت: وقد قرئ بالنصب عطفاً علي قوله: ((وأيديكم)) فإذا ذهب إلي المسح يبقى مقتضى النصب غير معمول به، بخلاف العكس؛ فإن المسح مغمور بالغسل، علي أن الأحاديث الصحيحة التي كادت تبلغ مبلغ التواتر معاضدة لقراءة النصب؛ فوجب تأويل القراءة بالكسرة، وفيه وجوه: أحدها العطف علي الجوار، كقوله تعالي:{عذاب يوم أليم} فالأليم صفة العذاب فأخذ إعراب اليوم للمجاورة، وقوله تعالي:{عذاب يوم محيط}، {وحور عين} بالجر، بعد قوله:{يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق} لأن ((حور)) لا يصلح عطفها علي ((أكواب))؛ لأن الحور لا يطاف بها، وقولهم: جحر ضب خرب.
وفائدة العطف ما قاله صاحب الكشاف: اكتساب المعطوف- أي الأرجل المغسولة- عن المعطوف عليه- وهو الرأس الممسوح- قلة انصباب الماء علي الأرجل؛ لأنها مظنة لإفراط الصب عليها. والثاني قول ابن الحاجب: هذا الأسلوب- أي عطف أرجلكم علي رءوسكم- مع إرادة كونها مغسولة من باب الاستغناء بأحد الفعلين عن الآخر، والعرب إذا اجتمع فعلان متقاربان في المعنى ولكل واحد منهما متعلق، جوزت ذكر أحد الفعلين، وعطف متعلق المحذوف علي المذكور علي حسب ما يقتضيه لفظه، حتى كأنه شريكه في أصل الفعل، قال:
يا ليت بعلك قد غدا متقلداً سيفاً ورمحاً
وكقول الآخر: علفته تبناً وماءاً بارداً. والثالث قول الزجاج: يجوز ((أرجلكم)) بالخفض علي معنى فاغسلوا؛ لأن قوله:{إلي الكعبين} قد دل عليه؛ لأن التحديد يفيد الغسل، كما في قوله:{إلي المرافق} ولو أريد المسح لم يحتج إلي التحديد، كما قال تعالي في الرءوس:{فامسحوا برءوسكم} من غير تحديد، وتنسيق الغسل علي المسح كما قال الشاعر: متقلداً سيفاً ورمحاً. وكان حاصل قول ابن الحاجب من هذا، والله أعلم.