٤٧٩ - وعن أبي هريرة، قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((هو الطهور ماؤه، والحل ميتته)). رواه مالك، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي. [٤٧٩]
ــ
فيكسحها السيل فيلقيها في البئر، فعبر عنه القائل علي وجه يوهم أن الإلقاء من الناس كان لقلة تدينهم، وهذا مما لا يجوزه مسلم، بل لا يرتضيه الكافر، فأنى نظن ذلك بالذين هم أفضل القرون وأزكاهم وأطهرهم؟ وعلي هذا النحو فسره الخطابي. والتعريف في ((الماء)) للعهد الخارجي، أي الماء المسئول عنه طهور لا ينجسه شيء لكثرته، ثم لكونه في حكم المياه الجاري؛ فإن السيل إذا ألقى في مثل تلك البئر قذراً أو نتناً ثم طفح عليها احتمل بعبابه ما ألقى فيها، فلا يسلب عنه إذا حكم الطهورية. أقول: قوله: ((في حكم المياه الجارية)) إلي آخره تحكم لتصحيح مذهبه في الماء الكثيرة.
((حس)): هذا الحديث غير مخالف لحديث ابن عمر في القلتين؛ لأن ماء بئر بضاعة كان كثيراً لا يتغير بوقوع هذه الأشياء فيه، وسئل قيم بئر بضاعة عن عمقها، فقال: أكثر ما يكون الماء فيها إلي العانة، قيل: فإذا نقض كان دون العورة، قال أبو داود: مددت ردائي عليها فإذا عرضها ستة أذرع. ولما كان ماء البئر المسئول عنه كثيراً، وسألوه عنه ليعموا حكم مثل هذا الماء في الطهارة والنجاسة أخرج النبي صلوات الله عليه الجواب عليه، وقال:((إن الماء طهور))، وفي قوله:((إن الماء طهور)) دليل علي أن غير الماء لا يطهر؛ حتى لا يجوز الوضوء بشيء من الأنبذة؛ لأن اسم الماء لا يقع عليه، وإن كان مشتداً فهو خمر نجس، وهو قول أكثر أهل العلم، وبه قال الشافعي. وقال الأوزاعي: يجوز الوضوء بجميع الأنبذة.
وقال الثوري وأبو حنيفة: يجوز بنبيذ التمر عند عدم الماء. واحتجوا بما روى عن أبي زيد عن ابن مسعود قال:((سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن ما في إداوتك؟ قلت: نبيذ، فقال: تمرة طيبة وماء طهور، فتوضأ منه))، قال: وهذا حديث غير ثابت؛ لأن أبا زيد مجهول، وقد صح عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال:((لم أكن ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)) قال: وإن ثبت فلم يكن ذلك نبيذاً متغيراً، بل كان ماء معداً للشرب نبذ فيه تمرات ليجتذب ملوحته، ويدل علي ما ذكرنا قوله تعالي:{فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً}، عدل تعالي من الماء عند عدمه إلي التيمم، فلا يجوز أن يتخللهما شيء.
الحديث الثالث عن أبي هريرة: قوله: ((هو الطهور ماؤه)) نقل الواحدي عن الزجاج أنه قال: