للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٧١٣ - وعن جندب، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك)) رواه مسلم.

٧١٤ - وعن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم، ولا تتخذوها قبوراً)) متفق عليه.

ــ

الحديث الثالث والعشرون عن جندب: قوله: ((ألا وإن من كان قبلكم)) الواو تقتضي معطوفاً عليه، و ((إن)) روي بالفتح، فالتقدير: تنبهوا واعلموا أن من كان قبلكم، وإن روى بالكسر فالتقدير: أنبهكم وأقول: إن من كان قبلكم، وحرف التنبيه الثانية مقحمة بين السبب والمسبب، ومن ثم جاء بالفاء، المعنى أنبهكم علي تلك الفعلة الشنيعة تنبيهاً. ((غب)): تنبيه لئلا تصنعوا صنيعهم، وكما كرر التنبيه كرر النهي أيضاً في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إني أنهاكم)) بعد قوله: ((لا تتخذوا)) ولا تظنوا أن هذا النهي مجاز، بل هو علي حقيقته، وفائدة هذه المبالغة والتكرير غاية التحذير، وكذا فائدة تكرير ((كان)) في الشرط والجزاء الدلالة علي أن تلك الغفلة القبيحة كانت مستمرة فيهم، وهي دأبهم وهجيراهم. ((حس)): اختلف أهل العلم في الصلاة في المقبرة، فكرهها جماعة، وإن كانت التربة طاهرة والمكان طيباً، واحتجوا بهذا الحديث، ومنهم من ذهب إلي أن الصلاة فيها جائزة، وتأويل الحديث هو أن الغالب من أمر المقابر اختلاط تربتها بصديد الموتى ولحومها، والنهي لنجاسة المكان، فإن كان المكان طاهراً فلا بأس.

الحديث الرابع والعشرون عن ابن عمر رضي الله عنهما: قوله: ((ولا تتخذوها قبوراً)) ((تو)): هذا محتمل لمعان: أحدهما أن القبور مساكن الأموات الذين سقط عنهم التكليف، فلا يصلي فيها، وليس كذلك البيوت، فصلوا فيها. وثإنيها أنكم نهيتم عن الصلاة في المقابر، لا عنها في البيوت، فصلوا فيها، ولا تشبهوها بها. والثالث أن مثل الذاكر كالحي وغير الذاكر كالميت؛ فمن لم يصل في البيت جعل نفسه كالميت، وبيته كالقبر. والرابع قول الخطابي: لا تجعلوا بيوتكم أوطاناً للنوم، فلا تصلوا فيها، فإن النوم أخو الموت. وقد حمل بعضهم النهي عن الدفن في البيوت، فذلك ذهاب عما يقتضيه نسق الكلام، علي أنه صلى الله عليه وسلم دفن في بيت عائشة رضي الله عنها مخافة أن يتخذ قبره مسجداً.

أقول: ((من)) في ((من صلاتكم)) تبعيضية وهو مفعول أول ((اجعلوا))، والثاني ((في بيوتكم))، أي اجعلوا بعض صلاتكم التي هي النوافل مؤداة في بيوتكم، فقدم الثاني للاهتمام بشأن البيوت، وأن من حقها أن يجعل لها نصيب من الطاعات، فتصير مزينة منورة بها؛ لأنها مأواكم ومواقع منقلبكم ومثواكم، وليست كالقبور التي لا تصلح لصلاتكم، وأنتم خارجون عنها، وداخلون فيها، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>