للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٩٤ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)). رواه مسلم.

ــ

كاعتمادنا فيه علي الأصابع. قال صلى الله عليه وسلم: ((استقيموا ولن تحصوا)) أي لن تحصلوا ذلك، ووجه تعذر إحصائه وتحصيله هو أن الحق واحد، والباطل كثير، بل أحق بالإضافة إلي الباطل كالمرمى من الهدف، فإصابة ذلك شديدة.

أقول: إذا علم ذلك فنقول: إن ((ما)) في قوله: ((كما أثنيت)) يجوز أن تكون موصوفة، وأن تكون موصولة، كقوله تعالي: {ونفس وما سواها} أي الحكيم الباهر الحكمة سوى هذه النفس العجيبة الشأن، والكاف بمعنى مثل، كالمثل في قوله تعالي: {ليس كمثله شيء}، وقوله: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} وقول القبعثري: مثل الأمير يحمل علي الأدهم والأشهب، أي أنت الذات التي لها صفات الجلال والإكرام، ولها العلم الشامل والقدرة الكاملة، تعلم بالعلم الشامل صفات جلالك وإكرامك، وتقدر بقدرتك الكاملة أن تحصي ثناء نفسك، فنفي في قوله: ((لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت علي نفسك)) القدرة والعلم عن نفسه، عجزاً واعترافاً بالقصور، وأثبتهما في قوله: ((أنت كما أثنيت علي نفسك)) لله عز وجل إعظاماً وإجلالاً له، وذلك أن صفات الجلال والإكرام لا نهاية لها، فلا تدرك ولا تطاق إلا بعلم وقدرة لا نهاية لهما. وهذا الثناء يجوز أن يكون بالقول، كما فقي قوله تعالي: {الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين*} وبالفعل كما في قوله تعالي: {شهد الله أنه لا إله إلا هو} قالوا: ما أثنى الله علي نفسه تعالي فهو في الحقيقة إظهار فعله، محمدة لنفسه من بث آلائه، وإظهار نعمائه، بمحكمات أفعاله، والله أعلم.

الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((وهو ساجد)) حال سدت مسد الخبر، نظيره ضربي زيداً قائماً، العرب التزمت حذف خبر هذا المبتدأ، وتنكير قائماً، وجعلت المبتدأ عاملا في مفسر صاحب الحال، ويشهد بأن كان المقدرة تامة، وقائماً حال من فاعلها التزام العرب تنكير ((قائماً) وإيقاع الجملة الإسمية المقرونة بواو الحال موقعه في هذا الحديث وقول الشاعر:

خير اقترابي من المولي حليف رضا وشر بعدي منه وهو غضبا

المبتدأ فيهما مؤول بمفسر صاحب الحال، يعني بالمصدر المقيد؛ لأن لظفه ما يكون مؤول بالكون؛ والتقدير: أقرب الكون كون، وخير الاقتراب اقتراب. هذا تلخيص كلام ابن مالك، أقول: التركيب من الإسناد المجازي، أسند القرب إلي الوقت- وهو للعبد- مبالغة.

<<  <  ج: ص:  >  >>