للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ــ

قوله: ((ثم أخالف إلي رجال)) ((الكشاف)): يقال: خالفني إلي كذا إذا قصده وأنت مول عنه، ومنه قوله تعالي: {وما أريد أن أخالفكم إلي ما أنهاكم عنه} المعنى أخالف إلي ما أظهرت من إقامة الصلاة واشتغال بعض الناس بها وأقصد إلي بيوت من أمرتهم بالخروج عنها للصلاة، فلم يخرجوا، فأحرقها عليهم.

قوله: ((عرقاً سميناً)) ((نه)): العرق- بالسكون- العظم الذي أخذ منه اللحم، جمعة عراق- بالضم- وهو نادر.

قوله: ((أو مرماتين حسنتين)((نه)) المرماة ظلف الشاة، وقيل: ما بين ظلفها تكسر ميمه وتفتح وقيل: المرماة- بالكسر- السهم الصغير الذي يتعلم به الرمي، وهو أحقر السهام وأرذلها. ((حس)): الحسن والحسنى العظم الذي في المرفق مما يلي البطن، والقبح والقبيح العظم الذي ف المرفق مما يلي الكتف. وأقول: ((الحسنتين)) بدل من ((المرماتين)) إذا أريد بهما العظم الذي لا لحم عليه، وإن أريد بهما السهمان الصغيران فالحسنتين بمعنى الجيدتين صفة للمرماتين.

قوله: ((شهد العشاء)) المضاف محذوف، ويجوز أن يقدر وقت العشاء، فالمعنى لو علم أحدهم أنه لو حضر وقت العشاء لحصل له حظ دنيوي لحضره، وإن كان خسيساً حقيراً، ولا يحضر للصلاة، وما رتب عليها من الثواب. وأن يقدر صلاة العشاء، فالمعنى لو علم أنه لو حضر الصلاة وأتى بها لحصل له نفه ما دنيوي كعرق أو غيره كمرماتين لحضرها، لقصور همته علي الدنيا وزخارفها، ولا يحضرها لما يتبعها من مثوبات العقبى ونعيمها.

وأقول: انظر أيها المتأمل في هذه التشديدات، ثم تأمل في تكرير ((ثم)) مراراً ترقياً من الأهون إلي الأغلظ، لتراخي المراتب بين مدخولاتها، فتفكر في التفاوت بين المرتبة الأولي هي ((فيحطب)) والثانية ((فأحرق بيوتهم)) ثم في تكرير القسم وخصوصيتها بقوله: ((والذي نفسي بيده)) لتقف علي فخامة أمر الجماعة، وشدة الخطب علي تاركها. وما أدى بما يتعلل، وكيف يتكاسل؟

فإن قلت: قيل: إن الحديث وارد في شأن المنافقين، والمؤمنون خارجون عن هذا الوعيد. قلت: خروجهم عن الوعيد ليس من جهة أنهم إذا سمعوا النداء يسوغ لهم التخلف عن الجماعة. بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم وعادتهم، وأنه مناف لحالهم؛ لأنه من صفة المنافقين، ولو دخلوا في هذا الوعيد ابتداءً لم يكن بهذه المثابة. ويعضده ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه: ((لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق قد علم نفاقه)) رواه مسلم. ((مح)): وذلك لأنه لا يظن بالمؤمنين من الصحابة أن يؤثروا العظم الثمين علي حضور الجماعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مسجده.

<<  <  ج: ص:  >  >>