نفخ، فآذنه بلال بالصلاة، فصلي، ولم يتوضأ. وكان في دعائه:((اللهم اجعل في قلبي نوراً، وفي بصري نوراً، وفي سمعي نوراً، وعن يميني نوراً، وعن يساري نوراً، وفوقي نوراً، وتحتي نوراً، وأمامي نوراً، وخلفي نوراً، واجعل لي نوراً)) - وزاد بعضهم -: ((وفي لسإني نوراً)) - وذكر-: ((وعصبي ولحمي ودمي وشعري وبشري)). متفق عليه. وفي رواية لهما-: ((واجعل في نفسي نوراً، وأعظم لي نوراً)). وفي أخرى لمسلم:((اللهم أعطني نوراً)).
ــ
قوله:((وكان دعائه)) أي في جملة دعائه تلك الليلة هذا الدعاء. كان باعثه عليه وعلي الصلاة قوله تعالي:{إن في خلق السموات والأرض- إلي قوله- فقنا عذاب النار} فإن الفاء الفصيحة تقتضي مقدراً يرتبط معها. تقديره: ربنا ما خلقت هذا باطلاً، بل خلقته للدلالة علي معرفتك، ومن عرفك يجب عليه أداء طاعتك واجتناب معصيتك ليفوز بدخول جنتك ويتوقى به من عذاب نارك، لأن النار جزاء من يخل بذلك، ونحن قد عرفناك وأدينا طاعتك، واجتنبنا معصيتك، فقنا عذاب النار. وتحريره: أنه صلى الله عليه وسلم لما تفكر في عجائب الملك والملكوت، وعرج إلي عالم الجبروت، حتى انتهي إلي سرادقات الجلال، فتح لسانه بالذكر، ثم أتبع بدنه روحه بالتأهب، والوقوف في مقام التناجي والدعاء. ومعنى طلب النور للأعضاء عضوراً عضواً أن يتجلي بأنوار المعرفة والطاعة، ويتعرى عن ظلمة الجهالة والمعاصي؛ لأن الإنسان ذو سهو وطغيان أي رأي أنه قد أحاطت ظلمات الجبلة معتورة عليه من فرقه إلي قدمه، والأدخنة الثائرة من نيران الشهوات من جوانبه، ورأي الشيطان يأتيه من الجهات الست بوساوسه وشبهاته ظلمات بعضها فوق بعض، فلم ير للتخلص منها مساغاً إلا بأنوار سادة لتلك الجهات، فسأل الله سبحانه أن يمده بها ليستأصل شاقة تلك الظلمات إرشاداً للأمة وتعليماً لهم. وكل هذه الأنوار راجعة إلي هداية وبيان وضياء للحق، وإلي مطالع هذه الأنوار يرشد قوله تعالي:{الله نور السموات والأرض- إلي قوله- نور علي نور يهدي الله لنوره} وإلي أودية تلك الظلمات يلمح قوله: {أو كظلمات في بحر لجى- إلي قوله- ظلمات بعضها فوق بعض} وقوله: {ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور}. اللهم إنا نعوذ بك من تلك الظلمات ونسألك هذه الأنوار.
فإن قلت: كيف قيل: في قلبي، وفي بصري، وفي سمعي، وعن يميني، وعن شمالي، ولم يقل عن فوقي، وتحتي، وأمامي، وخلفي؟ قلت: سأل نحوه صاحب الكشاف في قوله تعالي: