لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك)). متفق عليه.
١٢١٢ - وعن عائشة، قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته فقال: ((اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب
ــ
فإن قلت: لم عرف ((الحق)) في قوله ((أنت الحق، ووعدك حق)) ونكر في البواقي؟ قلت: لا منكر سلفاً وخلفاً أن الله هو الحق الثابت الدائم الباقي، وما سواه في معرض الزوال. قال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره، إما قصداً، وإما عجزاً- تعالي وتعاظم عن ذلك- والتنكير في البواقي للتعظيم والتفخيم.
وهاهنا سر دقيق، ونكتة سرية: وهي أنه صلى الله عليه وسلم لما نظر إلي المقام الإلهي، ومقربي حضرة الألوهية والربوبية، عظم شأنه، وفخم منزلته، حيث ذكر النبيين، وعرفها باللام الاستغراقي ثم خص محمداً صلى الله عليه وسلم من بينهم، وعطف عليهم إيذاناً بالتغاير، وأنه فائق عليهم بأوصاف مختصة به، فإن تغير الوصف تنزل منزلة التغاير في الذات ثم حكم عليه استقلالاً بأنه حق وجرده عن ذاته كأنه غيره، ووجب عليه تصديقه، ولما رجع إلي مقام العبودية، ونظر إلي افتقار نفسه: نادى بلسان الاضطرار في مطاوي الانكسار: اللهم لك أسلمت وإليك أنبت، فإن الإسلام هو الاستسلام وغاية الانقياد، ونفي الحول والقوة إلا بالله، ومن ثم أتبعه بقوله:((بك خاصمت، وإليك حاكمت) ثم رتب عليهما طلب غفران ما تقدم وما تأخر من الذنب، كترتب الغفران علي الفتح في قوله تعالي:{إنا فتحنا لك فتحاً مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} والتسبيح والاستغفار علي النصر والفتح في سورة الفتح الصغرى.
وفي قوله صلى الله عليه وسلم:((ومحمد حق)) إيماء إلي مقام الجمع والشهود، وقوله:((بك خاصمت، وإليك حاكمت)) إلي مقام التفرقة وإرشاد الخلق.
الحديث الثاني عن عائشة: قوله: ((رب جبريل وميكائيل)) قيل لا يجوز نصب ((رب)) علي الصفة؛ لأن الميم المشددة بمنزلة الأصوات فلا يوصف ما اتصل به، فالتقدير: يارب جبريل.
قال الزجاج: هذا قول سيبويه. وعندي أنا صفة، فكما لا تمتنع الصفة مع ((يا)) فلا تمتنع مع ((الميم)). قال أبو علي: قول سيبويه عندي أصح؛ لأنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء علي حد