فقالت: كنا نعد له سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ويصلي تسع ركعات، لا يجلس فيها إلا في الثامنة، فيذكر الله، ويحمده،
ــ
والإحسان وإيتاء ذي القربى} وقوله تعالي:{واصبر علي ما أصابك} وقوله تعالي: {فاعف عنهم واصفح} وقوله تعالي: {ادفع بالتي هي أحسن} وقوله تعالي: {والكاظمين الغيظ} وقوله تعالي: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن} من الآيات الدالة علي تهذيب الأخلاق الذميمة، وتحصيل الأخلاق الحميدة. وقال شيخنا شيخ الإسلام في ((العوارف)): قوله رضي الله عنها: ((كان خلقه القرآن)) فيه سر كبير غامض، وذلك أن النفوس مجبولة علي طبائع وغرائز من البهيمية، والسبعية، والشيطنة، والله تعالي بعظيم عنايته نزع نصيب الشيطان منه صلوات الله عليه؛ لقوله تعالي:{ألم نشرح لك صدرك}، ولحديث انشراح الصدر، وبعد هذا النزع بقيت للنفس الزكية النبوية بقايا صفات البشرية رحمة للخلق، فاستمدت البقايا من الصفات، لظهورها فيه صلوات الله عليه تنزيل الآيات المحكمات بإزائها لقمعها تأديباً من الله ورحمة له خاصة، وللأمة عامة، موزعاً نزول الآيات علي الأيام والأوقات عند ظهور الصفات. قال الله تعالي:{لولا أنزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك} فلما تحركت النفس الشريفة عند كسر رباعيته وقال: ((وكيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم)) فأنزل الله تعالي: {ليس لك من الأمر شيء} فاكتسى القلب لباس الاصطبار، فلما توزعت الآيات علي ظهور الصفات وصفت الأخلاق النبوية بالقرآن ليكون خلقه القرآن. وكذا ورد:((أنا أنسى لأسن)) تأديباً لنفوس الأمة وتهذيباً ورحمة. ووجه آخر: أن قولها رضي الله عنها: ((كان خلقه القرآن)) إيماء إلي التخلق بأخلاق الله تعالي، فعبرت عن المعنى بقولها ذلك استحياء من سبحات الجلال، وستراً للحال بلطف المقال، وهذا من وفور علمها، وكمال أدبها.
قوله:((فبعثه الله)) ((نه)): أي يوقظه من نومه، يقال: انبعث فلان بشأنه، إذا سار ومضى ذاهباً لقضاء حاجته. فإن قلت: قد تقرر عند علماء المعإني: أن مفعول شاء وأراد لا يذكر في الكلام الفصيح إلا أن يكون فيه غرابة، نحو قول القائل: لو شئت أن أبكي دماً لبكيته، ولو شاء الله أن يتخذ ولداً، فأين الغرابة في قوله:((شاء أن يبعثه))؟ قلت: كفي بلفظ البعث شاهداً علي