إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له). رواه البيهقي و (شعب
الإيمان).
ــ
الحديث الخامس عن أنس (رضي الله عنه): قوله: (قلما) (ما) مصدرية، أي قل
خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويجوز أن تكون كافة. قوله: (لا إيمان) (تو): هذا الكلام وأمثاله وعيد لا
يراد به الانقلاع، وإنما يقصد به الزجر والردع، ونفي الفضيلة، دون الحقيقة في رفع الإيمان
وإبطاله. (مظ): معنى (لا دين لمن لا عهد له) أن من جرة بينه وبين أحد عهد وميثاق، ثم
غدر من غير عذر شرعي _ فدينه ناقص، أما مع العذر كنقص الإمام المعاهدة مع الحربي إذا
رأى المصلحة _ فإنه جائز.
أقول: وفي الحديث إشكال، وهو أنه قد سبق أن الدين، والإيمان، والإسلام، أسماء
مترادفة موضوعات لمفهوم واحد في عرف الشرع، فلم فرق بينهما، وخصص كل واحد منهما
بمعنى؟ والجواب أنهما وإن اختلفا لفظا فقد اتفقا ههنا معنى، فإن الأمانة ومراعاتها إما مع الله،
فهي ما كلف به من الطاعة، وسمى أمانة لأنه لازم الوجود، كما أن الأمانة لازمة الأداء، قال
الله تعالى: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها
وحملها الإنسان). وإما مع الخلق فظاهر. وإن العهد وتوثيقه إما مع الله تعالى فاثنان:
الأول الذي أخذه على جميع ذرية آدم في الأزل، وهو العهد الإقرار بربوبيته قبل خلق الأجساد،
مصداقه قوله تعالى: (وإذا أخذ ربك) والثاني ما أخذه عند هبوط آدم إلى الدنيا من متابعة
هدى الله، ومن الاعتصام بكتاب ينزله، ورسول يبعثه، مصداقه قوله تعالى: (قلنا اهبطوا منها
جميعا فإما يأتينكم منى هدى) وإما مع الخلق فكذا ظاهر. فحينئذ مرجع الأمانة والعهد إلى
طاعة الله تعالى بأداء حقوقه وحقوق العباد، كأنه قيل: لا إيمان ولا دين لمن لا يفي بعهد الله
بعد ميثاقة، ولا يؤدى أمانة الله بعد حملها، وهي التكاليف من الأوامر والنواهي، ويشهد له
قوله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين _ إلى قوله _ دين القيمة) والتكرير
المعنوي توكيد وتقرير.
ــ