١٥٣٠ - وعن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتكى منا إنسان، مسحه بيمينه، ثم قال:((أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا)). متفق عليه.
١٥٣١ - وعنها، قالت: إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحة أو جرح، قال النبي صلى الله عليه وسلم بأصبعه:((بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، ليشفي سقيمنا، بإذن ربنا)). متفق عليه.
ــ
الحديث الثامن عن عائشة: قوله: ((لا شفاء إلا شفاؤك)) خرج مخرج الحصر تأكيدًا لقوله: ((أنت الشافي))؛ لأن خبر المبتدأ إذا كان معرفًا باللام أفاد الحصر؛ لأن تدبير الطبيب ونفع الدواء لا ينجح في المريض إذا لم يقدر الله تعالي الشفاء. وقوله:((شفاء لا يغادر سقمًا)) تكميل لقوله: ((اشف)) والجملتان معترضتان بين الفعل والمفعول المطلق، والتنكير في ((سقما)) للتقليل.
الحديث التاسع عن عائشة: قوله: ((تربة أرضنا)) ((تو)): الذي يسبق إلي الفهم من صنيعه ذلك، ومن قوله:((تربة أرضنا)) إشارة إلي فطرة آدم، و ((ريقة بعضنا)) إلي النطفة التي خلق منها الإنسان، فكأنه يتضرع بلسان الحال، ويعرض بفحوى المقال: إنك اخترعت الأصل الأول من طين، ثم أبدعت بنيه من ماء مهين، فهين عليك أن تشفي من كانت هذه نشأته.
((قض)) قد شهدت المباحث الطبية علي أن الريق له مدخل في النضج، وتبديل المزاج، ولتراب الوطن تأثير في حفظ المزاج الأصلي، ودفع نكاية المضرات؛ لهذا ذكر في تدبير المسافرين أن المسافر ينبغي أن يستصحب تراب أرضه إن عجز عن استصحاب مائها، حتى إذا ورد ماء غير الماء الذي يعتاد شربه ويوافق مزاجه جعل منه شيئًا في سقائه ويشرب الماء منها؛ ليأمن تغير مزاجه. ثم إن الرقى والعزائم لها آثار عجيبة تتقاعد العقول عن الوصول إلي كنهها. وقوله:((بإصبعه)) في موضع الحال من فاعل ((قال)) و ((تربة أرضنا)) خبر مبتدأ محذوف، أي هذه. و ((الباء)) متعلقة بمحذوف، هو خبر ثان، أو حال عنها العامل فيها معنى الإشارة، والتقدير: قال النبي صلى الله عليه وسلم مشيرًا بإصبعه: باسم الله هذه تربة أرضنا معجونة بريقة بعضنا. قلنا هذا القول، أو صنعنا هذا الصنيع؛ ليشفي سقيمنا.
أقول: علي هذا ((بسم الله)) إلي آخره مقول للقول صريحًا، ويمكن أن يقال: إن قوله: ((بسم الله)) حال أخرى متداخلة، أو مترادفة علي تقدير قال متبركًا باسم الله. ويلزم منه أن يكون مقولاً، والقول الصريح قوله:((هذه تربة أرضنا))، إضافة ((تربة أرضنا، وريقة بعضنا)) يدل علي الاختصاص، وأن تلك التربة، والريقة كل واحدة منهما مختصة بمكان شريف متبرك، بل بذي