للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥٥٨ - وعن أبي موسى، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يصيب عبدًا نكبة فما فوقها أو دونها إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، وقرأ: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}. رواه الترمذي. [١٥٥٨]

ــ

طلب من الله إياه ليجازيه علي ما صدر عنه من التبعة، فأطلق المتابعة، وأراد المجازاة. نعم الرواية الثانية ألطف وأنسب بالمقام، وتحقيقه: أن عائشة رضي الله عنها قد تحيرت في أمر نفسها، حيث فهمت من الآية أن هذه مؤاخذة عقاب أخروي، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، فأجابها صلى الله عليه وسلم: طيبي نفسًا إنها ليست بمؤاخذة عقاب يكون في العقبى، إنما هي مؤاخذة عتاب في الدنيا، صادرة عن مبدأ عناية ورحمة، علي ما هو معهود من ذي عاطفة وإشفاق علي معطوف عليه يراقب أوقاته وأحواله، وينبهه لطريق السعادة كلما ازور عن سواء الطريق يرده إليه لطفًا وقهرًا، فكأنه صلى الله عليه وسلم يسلي نفس أم المؤمنين ويطيبها، ويقول لها: لا تظني أن هذه المحاسبة مؤاخذة سخط وغضب، وأنها مخصوصة بالآخرة؛ إنما هي مؤاخذة عتاب يجري بين المتعاتبين، ولهذا جاء صلى الله عليه وسلم بصلة المعاتبة توضيحًا لها وتحقيقًا لمعناها في قوله: ((تصيبه من الحمى والنكبة)) ووضع المظهر موضع المضمر في قوله: ((حتى إن العبد ليخرج من ذنوبه)) كأنه قيل: يخرج عبدي وهو تحت عنايتي ولطفي. و ((النكبة)) هي ما يصيب الإنسان من الحوادث. و ((البضاعة)) قسط من المال يقتنى للتجارة، والأصل فيها البضع، وهو جملة من اللحم، تبضع أي تقطع.

قوله: ((فيفقدها)) يقال: فقدت الشيء أفقده فقدًا، أي طلبته بعد ما غاب. قال الله تعالي: {ماذا تفقدون}. والمراد بـ ((يد القميص)) كمه، تسمية للمحل باسم الحال، يريد أن الرجل إذا وضع بضاعته في كمه، ووهم أنها غابت، فطلبها وفزع لذلك، كفرت عنه ذنوبه. وفيه من المبالغة ما لا يخفي. وقوله: ((فيفزع لها)) يقال: فزع له، أي تغير وتحول من حال إلي حال. ((نه)): يقال: فزعت لمجيء فلان، إذا تأهبت له متحولاً من حال إلي حال.

قوله: ((والتبر)) ((نه)): هو الذهب والفضة قبل أن يضربا دراهم ودنإنير، فإذا ضربا كانا عينًا.

الحديث التاسع عن أبي موسى: قوله: ((نكبة فما فوقها)) التنكير فيها للتقليل لا للجنس، ليصح ترتيب ((فوقها، ودونها)) في العظم والحقارة عليه بالفاء، وهو يحتمل وجهين: فوقها في العظم ودونها في الحقارة، وعكس ذلك، ونحوه قوله تعالي: {إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها}.

<<  <  ج: ص:  >  >>