للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٦٠٤ - وعن عبد الله بن عمر، قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)). وكان ابن عمر يقول: إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك. رواه البخاري.

ــ

رجعت نفسه إليه بعد الإعياء. أقول: ((أو)) في قوله: ((أو مستراح)) تنويعية، أي لا يخلو ابن آدم من هذين المعنيين، فلا يختص بصاحب الجنازة. و ((إلي)) في ((إلي رحمة)) حال، أي ذاهبًا إلي رحمة الله تعالي.

((حس)): قال مسروق: ما غبطت شيئًا بشيء كمؤمن في لحد، أمن من عذاب الله، واستراح من الدنيا. قال أبو الدرداء: أحب الموت اشتياقًا إلي ربي، وأحب المرض تكفيرًا لخطيئتي، وأحب الفقر تواضعًا لربي. وأما استراحة البلاد، والأشجار؛ فإن الله تعالي بقدره يرسل السماء عليكم مدرارًا، ويحيى به الأرض والشجر والدواب، بعد ما حبس بشؤم ذنوبه الأمطار. وفي الحديث ((إن الحبارى لتموت هزلاً بذنب ابن آدم)) وخص الحبارى؛ لأنه أبعد الطير نجعة، فربما يذبح بالبصرة، ويوجد في حوصلتها الحبة الخضراء، وبين البصرة وبين منابتها مسيرة أيام.

الحديث السادس عن عبد الله: قوله: ((أو عابر سبيل)) ((أو)) فيه يجوز أن يكون للتخيير والإباحة، والأحسن أن يكون بمعنى ((بل)) كما في قول الشاعر:

بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح

قال الجوهري: يريد بل أنت، شبه الناسك السالك أولاً بالغريب الذي ليس له مسكن يؤويه، ولا سكن يسليه، ثم ترقى وأضرب عنه بقوله: ((أو عابر سبيل))؛ لأن الغريب قد يسكن في بلاد الغربة، ويقيم فيها، بخلاف عابر السبيل القاصد للبلد الشاسع، وبينه وبينها أودية مردية، ومفاوز مهلكة، وهو بمرصد من قطاع طريقه، فهل له أن يقيم لحظة، أو يسكن لمحة؟ لا؛ ومن ثم عقبه ابن عمر في باب الأمل بقوله: ((وعد نفسك في أهل القبور) وقال هنا: ((إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء)) أي سر دائمًا، ولا تفتر عن السير ساعة، فإنك إن قصرت في السير انقطعت عن المقصود، وهلكت في تلك الأودية. هذا معنى المشبه به، والمشبه هو قوله: ((وخذ من صحتك لمرضك)) يعني عمرك لا يخلو من الصحة والمرض فإذا كنت صحيحًا سر سيرك القصد بل لا تقنع به وزد عليه ما عسى أن يحصل لك الفتور بسبب المرض. وفي قوله: ((ومن حياتك لموتك)) إشارة إلي أخذ نصيب الموت، وما يحصل فيه من الفتور من السقم، يعني لا تقعد في المرض من السير كل القعود، بل ما أمكنك منه فاجتهد فيه، حتى تنتهي إلي لقاء الله وما عنده من الفلاح والنجاح، وإلا خبت وخسرت.

انظر أيها المتأمل في كل هذا الكلام الجامع، وانتهز الفرصة كيلا تندم. ونعم ما قال من قال:

<<  <  ج: ص:  >  >>