١٦٠٩ - وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تحفة المؤمن الموت)) رواه البيهقي في ((شعب الإيمان)). [١٦٠٩]
١٦٠١ - وعن بريدة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن يموت بعرق الجبين)). رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه [١٦١٠]
ــ
وذلك أن من أحسن الأدب بين يدي مولاه وتحرى رضاه أحب قربه وكره بعده، ومن أساء يكره قربه ويحب بعده، والبعد من الله تعالي هو الركون إلي الدنيا وزخارفها، والقرب إلي الله تعالي هو طلب الآخرة بالاجتهاد في طاعته.
قوله:((فمن فعل ذلك)) المشار إليه جميع ما سبق، فمن أهمل من ذلك شيئاً لم يخرج من عهدة الاستحياء، وظهر من هذا أن جملة الإنسان وخلقته من رأسه إلي قدمه، ظاهره وباطنه معدن العيب، ومكان المخازي، وأن الله سبحانه وتعالي هو العالم بها والواقف علي ما ينشأ منها من المقابح؛ فحق الحياء أن يستحيي منه ويصونها عما يعاب فيها. وربما وقفت علي هذا المعنى في أول الكتاب عند قوله صلى الله عليه وسلم:((الحياء شعبة من الإيمان)) فلا تنكر التكرار، فإنه مقبول إذا ورد فيما يهتم بشأنه؛ إيقاظاً، وتنبيهاً علي تنبيه. والله أعلم.
الحديث الرابع عن عبد الله: قوله: ((تحفة المؤمن الموت)) اعلم أن الموت ذريعة إلي وصول السعادة الكبرى، ووسيلة إلي نيل الدرجة العليا، وهو أحد الأسباب الموصلة للإنسان إلي النعيم الأبدي، وهو انتقال من دار إلي دار، فهو وإن كان في الظاهر فناء واضمحلال، ولكن في الحقيقة ولادة ثإنية، وهو باب من أبواب الجنة، منه يتوصل إليها، ولو لم يكن الموت لم تكن الجنة. ((تو)): التحفة طرفة الفاكهة، وقد تفتح الحاء والجمع: التحف، ثم يستعمل في غير الفاكهة ن الألطاف, قال الأزهري: أصلها وحفة، فأبدلت الواو تاء، يريد به ما له عند الله تعالي من الخير الذي لا يصل إليه إلا بالموت.
الحديث الخامس عن بريدة: قوله: ((بعرق الجبين)) ((تو)): فيه وجهان: أحدهما هو ما يكابده من شدة السياق التي يعرق دونها الجبين. وفي الحديث ابن مسعود رضي الله عنه ((موت المؤمن بعرق الجبين، يبقى عليه البقية من الذنوب فيجازف بها عند الموت)) أي يشدد عليه ليمحص عنه ذنوبه. قال الهروي: يجازف: أي يقايس، فيكون كفارة لذنوبه، والمجازفة المقايسة بالمخراف، وهو الميل الذي تسير به الجراحات. وثإنيهما أنه كناية عن كد المؤمن في طلب الحلال، وتضييقه علي النفس بالصوم والصلاة، حتى يلقى الله. والأول أظهر.