تقتل ولدك خشية أن يطعم معك)). قال: ثم أي؟ قال:((أن تزاني حليلة جارك)). فأنزل الله تعالى تصديقها:{والَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَاّ بِالْحَقِّ ولا يَزْنُونَ} الآية [الفرقان: ٦٨][متفق عليه].
٥٠ - وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الكبائر: الإشراك
ــ
وأصله: ثم أي شيء من الذنوب أكبر بعد الكفر؟ الحليلة: الزوجة، والحليل: الزوج؛ لأن كلا منهما حلال للآخر، من: حل يحل – بالكسر – أي مباح، أو حال عنده من حل يحل – بالضم – كما سمى الجار حليلا. فإن قلت: مع معنى ((ثم))؟ فإن تراخى الزمان لا يتصور فيه، وكذا التراخي في المرتبة لوجوب كون المعطوف بها أعلى رتبة من المعطوف عليه، وههنا بالعكس.
قلت: معناه التراخي في الإخبار، كأن قال: أخبرني عن أوجب ما يهمن السؤال عنه من الذنوب، ثم الأوجب فالأوجب. ((مظ)): لا خلاف في أن أكبر الذنوب بعد الكفر قتل نفس مسلمة بغير الحق.
قوله:((خشية أن يطعم معك)) يعني قتل الولد أكبر من سائر الذنوب، وقتله من خوف أن يطعم طعامك أيضا ذنب؛ لأنك لا ترى الرزق من الله تعالى. قوله:((أن تزاني حليلة جارك)) يعني الزنا ذنب كبير وخاصة مع من سكن جوارك، والتجأ بأمانتك، وثبت بينك وبينه حق الجوار، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:((ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه)) فالزنا بزوجة جاره يكون زنا، وإبطال حق الجوار والخيانة معه، فيكون أقبح، وإذا كان الذنب أقبح يكون الإثم أعظم. هذا الكلام حسن متين.
واعلم أن قتل ولدك، وحليلة جارك يوهم أنه إذا لم يكن مقيدا لم يكن الفعل من الكبائر، ودفع هذا الوهم أن يقال: مثل هذا النهي غالبا إما ورد على الأمر الواقع المخصوص، وهو من مفهوم اللقب، ألا ترى إلى قوله تعالى:{ولا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاقٍ} فإنه مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك)) وقد اتفقوا على أنه من باب مفهوم اللقب، وهذا يعضد ما ذهبنا إليه أن اختلاف الأحاديث في عدد الكبائر بحسب ما سنح له صلى الله عليه وسلم على مقتضى حال السائل، وتفاوت الأوقات والمجالس.
قوله:((فأنزل الله تصديقها)) الضمير راجع إلى هذه المسألة، أو الأحكام، أو الواقعة، و ((تصديقها)) مفعول له، أي وأنزل الله هذه الآية تصديقا لها. وفيه دليل على جواز تقرير السنة وتصديقها بالكتاب.