فلما دخل عليه وجده في غاشية، فقال:((قد قضى؟)) قالوا: لا، يا رسول الله! فبكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأي القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا، فقال:((ألا تسمعون؟ إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا)) وأشار إلي لسانه ((أو يرحم، وإن الميت ليعذب ببكاء أهله)). متفق عليه.
١٧٢٥ - وعن عبد الله بن مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب، ودعا دعوى الجاهلية)). متفق عليه.
١٧٢٦ - وعن أبي بردة، قال: أغمي علي أبي موسى، فأقبلت امرأته أم عبد الله تصيح برنة، ثم أفاق، فقال: ألم تعلمي؟! وكان يحدثها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أنا بريء ممن حلق وصلق وخرق)). متفق عليه. ولفظه لمسلم.
ــ
يكون ذلك من قول النبي صلي الله وعليه وسلم، واحتجت بقوله تعالي:{ولا تزر وازرة وزر أخرى} قالت: وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم في يهودية: ((إنها تعذب وهم يبكون عليها)) يعنى تعذب بكفرها في حال بكاء أهلها، لا بسبب البكاء. واختلف العلماء فيه، ذهب الجمهور إلي أن الوعيد في حق من أوصى بأن يبكى عليه، ويناح بعد موته، فنفذت وصيته، فهذا يعذب ببكاء أهله عليه ونوحتهم؛ لأنه بسببه. وأما من بكوا عليه وناحوا من غير وصية، فلا؛ لقوله تعالي:{ولا تزر وازرة وزر أخرى}.
((خط)): يشبه أن يكون هذا من حيث أن العرب كانوا يوصون أهاليهم بالبكاء والنوح عليهم، وإشاعة النعي في الأحياء، وكان ذلك مشهوراً من مذاهبهم، وموجوداً في أشعارهم كثيراً، فالميت تلزمه العقوبة في ذلك بما تقدم من أمره إليهم في وقت حياته. وقيل: المراد بالميت من أشرف علي الموت، وبالتعذيب أنه إذا حضره الموت، والناس حوله يصرخون ويتفجعون، فيزيد كربه وتشتد عليه سكرات الموت، فيصير معذباً به، فيكون ذلك حالا لا سبباً، أي أنه ليعذب عن بكائهم عليه، لا ببكائهم عليه. وهذا الوجه ضعيف؛ وهذا لما في رواية ((ببكاء الحى))، وفي رواية ((يعذب في قبره بما نيح عليه)).
الحديث الرابع، والخامس عن أبي بردة رضي الله عنه: قوله: ((تصيح برنة)) ((مح)): هي بفتح الراء وتشديد النون، وهي صوت مع البكاء فيه ترجيع. قوله:((وكان يحدثها)) حال، والعامل ((قال)) ومفعول ((ألم تعلمى)) مقول القول، يعنى ألم تعلمى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((أنا برئ))؟