١٧٢٨ - وعن أنس، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال:((اتقى الله واصبري)). قالت: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه. فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم. فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك. فقال:((إنما الصبر عند الصدمة الأولي)). متفق عليه.
١٧٢٩ - وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يموت لمسلم ثلاث من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم)). متفق عليه.
ــ
قوله:((ودرع من جرب)) الدرع قميص النساء، والسرابيل أيضاً قميص لكن لا يختص بهن، يعني يسلط علي أعضائها الجرب والحكة، فتطلي مواقعه بالقطران ليداوى، فيكون الدواء أدوى من الداء؛ لاشتماله علي درع القطران، وحرقته، إسراع النار في الجلود، واللون الوحش، ونتن الريح. والقطران: ما يتجلب من شجر يسمى الأبهل، فيطبخ فتهنأ به الإبل الجربى فيحرق الجرب بحره وحدته، والجلد، وقد تبلغ حرارته الجوف.
((تو)): خصت درع الجرب؛ لأنها كانت تخرج بكلماتها المرقة قلوب ذوات المصيبات وتحرك بها بواطنهن، فعوقبت في ذلك المعنى بما يماثله في الصورة، وخصت أيضاً بسرابيل من قطران؛ لأنها كانت تلبس الثياب السود في المآتم، فألبسها الله السراويل لتذوق وبال أمرها. فإن قلت: ذكر الخلال الأربع، ولم يرتب عليها الوعيد سوى النياحة، فما الحكمة فيه؟ قلت: النياحة مختصة بالنساء، وهن لا ينزجرن من هجيراهن انزجار الرجال، فاحتجن إلي مزيد الوعيد.
الحديث السابع عن أنس رضي الله عنه: قوله: ((اتقي الله)) توطئه لقوله: ((واصبري)) كأنه قيل: لا تجزعي وخافي غضب لله، واصبري حتى تثأبي، فكان من جوابها ((إليك عني)) أي تنح عني، وباعدني. وفائدة قوله:((فلم تجد عنده بوابين)) أنها حين قيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم استشعرت خوفاً وهيبة في نفسها، فتصورت أن نبى الله صلى الله عليه وسلم كمثل الملوك والعظماء، له حاجب يمنع الناس من الوصول إليه، فقالت معتذرة: اعذرني من تلك الردة وخشونتها، فكان ظاهر الجواب غير ما ذكر من قوله:((الصبر عند الصدمة الأولي)) ولكن أخرجه مخرج الأسلوب الحكيم، أي دعي الاعتذار مني، فإن من شيمتي أن لا أغضب إلا الله، وانظري إلي تفويتك من نفسك الثواب الجزيل، والكرامة، والفضل من الله تعالي بالجزع وعدم الصبر عند فجاءة الفجيعة. ((نه)): الصدم: ضرب الشيء الصلب بمثله، المعنى: الصبر عند قوة المصيبة وشدتها يحمد ويثاب عليه؛ لأنه إذا طالت الأيام فيصير الصبر طبعاً فلا يؤجر عليه.
الحديث الثامن عن أبي هريرة رضي الله عنه: قوله: ((فيلج النار إلا تحلة)) ((شف)): إنما